حبل الله
تدوين السنة

تدوين السنة

تدوين السنة

يقصد بتدوين السنة كتابة كلام النبي صلى الله عليه وسلم وجمعه في كتب خاصة، حيث يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: هل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتدوين كلامه إلى جانب القرآن الكريم أم نهى عن ذلك؟ والإجابة على هذا السؤال لا تستقيم بالقول نعم أو لا. لكن المتتبع للأحاديث الواردة بخصوص تدوين السنة ينتهي إلى ما يلي:

1_ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاشتغال برواية الحديث بشكل عام وذلك لتركيز الأنظار على القرآن الكريم باعتباره الأصل الذي يجب أن يُشتغل فيه. ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تكتبوا عني شيئاً؛ فمن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه، ومن كذب عليّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار[1] .

2_ أذِنَ النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة بعض السنن التطبيقية التي يصعب تناقلها دون توثيق كالأحكام المتعلقة بأنصبة الزكاة وأعمال الحج والقصاص والجراحات وغير ذلك مما يلزم حفظه. من ذلك كتابة بعض الصحابة لأبي شاه – وهو رجل من أهل اليمن – بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة من خطبه، ومنه ما ذكر أبو هريرة من شأن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهم، ومنه ما كان من قصة صحيفة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فيها شيء من العلم، ومن ذلك كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن[2].

روي عن علي رضي الله عنه أنه خطب وقال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه، ليس في كتاب الله تعالى وهذه الصحيفة – وهي صحيفة معلقة في سيفه، فيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات- فقد كذب[3]

3_ منهج كبار الصحابة كان عدم الاشتغال بالرواية وكانوا يقتصرون بالسؤال عن السنن العملية، ولم يرو عن واحد منهم أنه اهتم بغير ذلك كروايات الملاحم والفتن وكل ما يتعلق بالعقائد.

بناء على ما سبق يمكننا القول إنه ينبغي الاهتمام بالسنن العملية التطبيقية المؤصلة في القرآن الكريم، والتي نقلت رواية وعملا.

هل كون الحديث ظنيا يعني تركه؟

من المعلوم أن السنن في مجملها نقلت عن طريق الآحاد فثبوتها ظني، ولا يعني كونها ظنية أن تترك بل لا بد أن تُعمل بشرط ضبطها بميزان الكتاب على اعتبار أن السنة هي الحكمة المستقاة منه، وعليه فإن ظنية الرواية إذا شُفعت بأصلها في القرآن الكريم فإنها تكتسب اليقين. ويعزز الرواية انتقال التطبيق العملي من جيل الى آخر.

الظن إذا شُفع باليقين ووافقه ارتقى ليكون يقينا أو شبيها به، أما اعتماد الظن دون شفعه باليقين، فهو الخرص المنهي عنه.

قال الله تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (يونس، 36) وبعد تقرير الله تعالى أن الظن لا يغني من الحق شيئا ذكر في الآية التي تليها قطعية ثبوت القرآن واستحالة أن يفترى من دون الله تعالى {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (يونس، 37)

وعن أبي موسى الغافقي، قال: آخر ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بكتاب الله، وسترجعون إلى قوم يحبون الحديث عني – أو كلمة تشبهها – فمن حفظ شيئا فليحدث به، ومن قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار»[4].

انضباط الرواية بكتاب الله هو السبيل الأمثل لاجتناب ما افتري على رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن ينبغي التأكد من صحة سندها قبل عرضها على الكتاب، لأن فساد السند يجعلها غير ذي صلة بما نحن بصدده .



[1] أخرجه أحمد (3/39، رقم 11362) ، ومسلم (4/2298، رقم 3004) ، وأبو يعلى (2/416، رقم 1209) ، والدارمى (1/130، رقم 450) ، وابن حبان (14/147، رقم 6254)

[2] جامع الأصول، باب انتشار علم الحديث، 1/40

[3] أخرجه ابن أبى شيبة (7/295، رقم 36221) ، وأحمد (1/81، رقم 615)

[4] أخرجه الحاكم في المستدرك 1/113 وصححه وتابعه الذهبي في التلخيص. والبخاري في “التاريخ الكبير” 7/302، والطبراني في “الكبير” 19/ (657) والدولابي في “الكنى” 1/57، والطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (412) وابن عدي في “الكامل” 1/26 وأخرجه ابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (2626) ، وابن الأثير في “أسد الغابة” 5/30

تعليق واحد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.