حبل الله
أفلا تتذكرون  !

أفلا تتذكرون !

أفلا تتذكرون؟!

ترد في القرآن الكريم كلمات مشتقة من الذكر. و”الذكر” هو هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارًا بإحرازه، والذكر يقال اعتبارًا باستحضاره[1]. ومنذ أن يولد الإنسان ويفتح عينيه على الدنيا وهو يرى آيات الله تعالى. وآيات الله ليست محدودة بما أنزل الله في الكتاب، بل إن لله آيات كثيرة في الآفاق والأنفس. وبمطالعتها يحصل الإنسان على معارف كثيرة تدل على القوانين الطبيعية والمبادئ الشمولية للأخلاق. والذكر اسم مشترك للكتب الإلهية مثل التوراة والإنجيل والقرآن[2]. قال الله تعالى: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ » (فصلت، 41 / 53)

ومن أجل ذلك دعى الرسل الناس إلى التذكر، أي أنهم دعوهم إلى الإستفادة مما هو موجود في ذاكرتهم من المعارف. لذا قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام : «أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ » (الأنعام، 6 / 80). أي “ألا تتذكروا المعارف التي حصلتم عليها منذ طفولتكم فتقارنوها بما قلته لكم فتعرفوا أنكم على خطأ”.

ومن المعلوم أنّ قوم إبراهيم كانوا يؤمنون بأن الله هو خالق السموات والأرض ولكنهم كانوا يزعمون أنّ الله تعالى ترك إدارتها (ملكوتها) للشمس والقمر والنجوم. وهم يرون هذه المخلوقات كحاكم محلي، ومنحوا لكل واحدة منها قوة روحية ومعنوية. ولهذا السبب يدعونها، ويبنون علاقتهم مع الله بواسطتها، وينصبون تماثيلها فيقدمون لها قرابين ويسجدون أمامها تعظيما لها. وهم بهذا العمل يشركون بالله. كما أنهم أقاموا عِقدهم الإجتماعي على هذا تلك المفاهيم. وقد أصبح إبراهيم يشكل خطرا عليهم حين بدأ ينادي بأن ليس لتلك المخلوقات نصيب في تصرفات الكون (في ملكوت السموات والأرض). كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ» (الأنعام، 6 / 75-80)

ويعني إبراهيم عليه السلام بقوله: «أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ» ألا ترون ما رأيته أنا بأن ليس لتلك المخلوقات نصيب في ملكوت السموات والأرض؟ وحينما قال لهم إبراهيم عليه السلام: « إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ولم يسأل أي واحد منهم من هو خالق السموات والأرض؟ لأنهم كانوا يعرفون ذلك يقينا. ثم قال لهم: « وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (الأنعام، 6 / 81).

والمشرك يتخذ إلهين إثنين على الأقل. أحدهما يكون دائما الله والآخر ما يؤمن بكونه وسيطا بينه وبين الله من الآلهة المزعومة، وحجته التي يعتمد عليها هو ما ألفى عليه آباءه الأقدمين دونما استعمال لعقله وتفكيره. قال الله تعالى: « وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ» (المائدة، 5 / 104). «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» (يونس، 10 / 100).

وعندما يُعمل الإنسان عقله ويحرره من الموروث الساذج يدرك ويلاحظ دونما جهد وجود الله ووحدانيته، ولذلك عندما نقول “أشهد أن لا إله إلا الله” فإننا نقولها من صميم قلوبنا وليس مجرد نقل وسماع من رسول؛ وإلا لقلنا لا إله إلا الله على ما علمني هذا الرسول” بدلا من أن نقول ”أشهد أن لا إله إلا الله”. وهذا ما تعنيه كلمة ( أشهد) فهي إقرار منك بما رأيت وبما أدركت، ولا يصح أن يشهد الإنسان إلا بما رأى ووعى.

لم يقم أي من الرسل بإثبات وجود الله ووحدانيته. بل قام كل رسول بدعوة أن لا إله إلا الله وأنه وحده المستحق للعبادة. وهو أمر يعرفه كل ذي عقل سليم. وقد أعرض الناس عن دعوة الرسل خوفا على نظامهم المبني على المعتقدات الخاطئة.

وهناك من يجعل كتاب الله تابعا لأهوائه ويتجاهل كثيرا من آياته، ويريد بذلك إقامة حياة إجتماعية بعيدة عن الوحي المنزل بالرغم من أنه يؤمن بالرسل والكتب المنزلة إليهم. ويمكن أن يندرج تحت هذه المجموعة اليهود والنصارى وبعض المسلمين.



[1] مفردات ألفاظ القرآن للراغب الاصفهاني، تحقيق صفوان عدنان داودي، بيروت. 1412/1992 مادة: ذكر.

[2] انظر. آل عمران، 3/58. الأعراف، 7/63. الحجر، 15/6،9. النحل، 16/44. الأنبياء، 21/2،50. الفرقان، 25/18. يس، 36/11. صـ، 38/8. القمر، 54/25.

تعليق واحد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.