حبل الله
الأسوة في إبراهيم

الأسوة في إبراهيم

الكاتب: هشام العبد

استحقَّ إبراهيمُ عليه السَّلام وصفاً لم يُعْطَ في كتاب الله لغيره “أُمَّة”، وأرى أنَّ من واجبنا كمسلمين البحثَ والتفكَّرَ في سيرة إبراهيم الواردة في كتاب الله لمعرفة واتِّباع الخطوات التي أهَّلتْه لنيل هذه المرتبة الرفيعة من الله لعلَّنا نحظى برضاه سبحانه، وفيما يلي نحاول أن نفهم منهجَه عليه السَّلام على ضوء الآيات القرآنيَّة:

مِلَّةُ إبراهيم طريقُ القلب السَّليم:

يقول اللهُ تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} النّحل (120:16).

“الأمَّة” وصفٌ يُطلَقُ على الرَّجل الجامع لخصال الخير[1].

“قانتاً لله”: خاضعاً مُستكيناً لله ومُقِرَّاً بعبوديَّته لله[2].

“حنيفاً”: مائلاً لله مُستقيماً على أمره[3].

“لم يكُ من المشركين”: اتّخذَ اللهَ إلهاً واحداً لم يُشرك معه أحداً أوشيئاً.

إبراهيمُ عليه السَّلام هو واحدٌ من الأنبياء الخمسة المخصوصين بالاسم من عموم الأنبياء الذين أَخَذَ اللهُ منهم ميثاقاً غليظاً: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } الأحزاب (7:33).

يقولُ تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ، إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ، وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} ص (45:38_47).

يذكرُ اللهُ تعالى هنا إبراهيمَ عليه السَّلام واثنين من ذرِّيَّتِه بأنّهم من ذوي الأيدي والأبصار: أيْ من أصحاب العزْم والقوَّة ورؤية الحقِّ وهم الذين جعلوا من مهمَّة تبليغ النّاس رسالةَ الله وتذكيرِهم بالدَّار الآخرة عملَهم الوحيد فكانوا من المُصطَفَيْنَ المقرَّبين.

لقدْ اصطفى اللهُ تعالى إبراهيمَ عليه السَّلام وآتاه الكتابَ والحُكمَ والنبوَّةَ وأتمّ نعمتَه عليه وعلى ذرِّيَّته من بعده كما تذكرُ الآياتُ التَّالية:

{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يوسف (6:12).

{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} آل عمران (33:3_34).

{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً } النِّساء (54:4).

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } الحديد (26:57).

{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} النِّساء (163:4).

{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} الأعلى (18:87_19).

أنزَلَ اللهُ تعالى صُحفاً تحتوي تعليماته للنَّاس على إبراهيم فلا شكَّ أنَّه استحقَّ الاصطفاءَ من الله تعالى للقيام بمهمَّة تبليغ الرِّسالة التي تتضمّن الإنذارَ والتَّبشير.

يصفُ اللهُ تعالى إبراهيم عليه السَّلام بأنّه “وفَّى”:{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} النَّجم (36:53_37).

أي أنَّ نبيَّ اللَّه إبراهيم قد أتمَّ المهمَّات التي أوكَلَها له اللهُ تعالى على أحسن وجه فاستحقَّ ثناءَ الله كما تذكر الآياتُ التَّالية:

{قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} آل عمران (84:3).

{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} مريم (58:19).

ولا شكَّ أنَّ إضافةَ اسم “إبراهيم” عليه السَّلام إلى الملَّة التي ارتضاها اللهُ لعباده يدفعنا إلى مزيدٍ من الشَّوق لمعرفة ماهيَّة هذه الملَّة بغية اتِّباعها.

{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} يوسف (38:12).

{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} الحجّ (78:22).

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} النَّحل (120:16_123).

{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} النِّساء (125:4).

خليلاً: صفة مشبَّهة على وزن “فعيل” تدلُّ على شدَّة قُرب إبراهيم عليه السَّلام من الله سبحانه وتعالى.

{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الأنعام (161:6).

المِلّةُ في اللُّغة تعني المنهج الذي يتَّبعُه واحدٌ أو مجموعةٌ من الناس، أي إنّها السُّنَّةُ والطّريقة، وهي مجموعُ العقائد والأعمال التي يلتزمها طائفةٌ من النّاس ويدومون عليها مدَّةً طويلة تكون جامعة لهم كطريقة يتَّبعونها كما نفهم من كتاب الله:

{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} الأعراف (88:7).

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} إبراهيم (13:14).

ما هي مكوِّناتُ مِلَّةِ إبراهيم؟

نحاولُ فيما يلي تسليطَ الضَّوء على النقاط الأساسيَّة في منهج إبراهيم عليه السَّلام:

1. القلبُ السَّليمُ الذي يشهد بوحدانيَّة الله هو المكوِّنُ الأكثرُ أهميِّةً في مِلَّة إبراهيم:

وَصَلَ إبراهيمُ عليه السَّلام إلى حالة الرُّشد والقلب السَّليم واصطفاهُ اللهُ وآتاه النبوّةَ فراح ينشرُ رسالةَ الله بين أفراد بني قومه الذين اتّخذوا أصناماً يعبدونها من دون الله”أي أنّ إبراهيمَ عليه السَّلام بَدَأ يدعو قومَه حين حُمِّلَ رسالةَ الله”:

يقول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا، يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا، يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا، يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا، قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا، قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا، وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا} مريم (41:19_48).

لمْ يقصصِ اللهُ علينا هذه الآيات عَبَثَاً، ولعلّنا نجدُ في تدبُّر قصَّة إبراهيم عليه السَّلام مع قومه مصباحاً ينير أمامَنا الطَّريق في سيرنا إلى الله الواحد الأحد.

بَدَأَ إبراهيمُ عليه السَّلام في نشر رسالة الله من أقربِ الناس إليه”والدِه”بدافعٍ من شفقته عليه وحاورَه بالعقل مستخدماً معه الألفاظَ الرقيقة”يا أبتِ” ووعدَه بالدُّعاء والاستغفار له، ولَعلَّ ابتداءَ النُّصح وتبليغِ الرِّسالة إلى المقرَّبين هو سنَّةُ جميع رسل الله كما يأمرُ اللهُ تعالى رسولَه محمَّد:{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} الشُّعراء (214:26).

بيَّن إبراهيمُ عليه السّلام أنَّه تلقَّى من الله عِلماً يهدي إلى الصِّراط السَّويِّ وأنَّ تلك المعبودات التي يُقيم عليها والدُه عاجزةٌ بالمطلق فهي لا تملك ضرَّاً ولا نفعاً، وذكَّرَ والدَه بالدَّار الآخرة وحذَّره من موالاة الشَّيطان لكنَّ والدَه أغلقَ أُذنيه وعينيه وقلبَه وأَطلقَ لسانَه تهديداً بإيذاء إبراهيم إذا استمرَّ في دعوته.

ثمّ انتقلَ إبراهيمُ عليه السَّلام إلى توسيع دائرة الدَّعوة وتبليغ الرِّسالة لِتشمَلَ قومَه جميعاً كما تذكرُ الآياتُ التَّالية:

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ، قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ، قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ، قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ، أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ، رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ، وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ، وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ، وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} الشّعراء (69:26_89).

دَعَا إبراهيمُ عليه السَّلامُ قومَه بذات اللُّغة والشَّفقة التي أبداها مع والده، فَذَكَّرَهم بعجز ما يعبدون من دون الله، ووَضَعَهم أمام تعريف ربِّ العالمين من خلال ذكر بعض قدراته ليقارنوها بعجز المعبودات التي يعكفون عليها.

ما كان منهجُ قوم إبراهيم قائماً على بيِّنةٍ ودراسةٍ وبصيرةٍ، لكنَّه قام على أساس الاتّباع الأعمى لدين الآباء الذي يقوم على عبادة مجموعةٍ من الآلهة التي لا ترى ولا تسمع ولا تنطق لكنَّهم يعتبرون عبادتَها ممَّا يقرِّبهُم إلى الله زُلفى:

{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} الزّمَر (3:39).

أعلنَ إبراهيمُ عليه السَّلام براءتَه من دين الآباء والأقدمين القائم على الشِّرك وأعلنَ عداوتَه لكلّ ما يُعبَدُ من دون الله من أوثانٍ وأصنام لا تضرُّ ولا تفيد، وأعلنَ تبعيَّته لربٍّ واحدٍ يخلقُ ويهدي ويُطعمُ ويسقي ويَشفي ويُميتُ ويحيي واتّجهَ إليه بالدُّعاء.

ولعلَّ أكثرَ ما كان يحزُّ في نفس إبراهيم عليه السَّلام هو إصرارُ أبيه على الإقامة على منهج الشِّرك، وتظهر هذه الشَّفقةُ في دعاء إبراهيم عليه السَّلام ” وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ” يوم لا ينفع مالٌ ولا بنونٌ إلَّا مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم أي بقلبٍ لم يعرف مستحقَّاً للعبادة من دون الله، وبهذا يكون إبراهيمُ قد أوفى بوعده السَّابق بالدُّعاء لأبيه قبل أن يتبرّأَ منه حين أصرَّ على رفض دعوة إبراهيم كما تشير الآيةُ القرآنيَّةُ التَّالية:

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ، وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} التّوبة (113:9_114).

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} الممتحنة (4:60).

إنَّ تأييدَ الله تعالى لأنبيائه وملأَ قلوبهم باليقين التام هو سنَّةٌ من سنن الله، فمَا من نبيٍّ إلّا وقد رأى من آياتِ ربِّه ما يملأُ قلبَه بالأمن واليقين ويثبِّتُه في مواصلة دعوته إلى دين الحقِّ، وكذلك الحالُ مع إبراهيم عليه السَّلام كما تشيرُ إلى ذلك الآياتُ التَّالية:

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ، وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ، وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الأنعام ( 74:6_82).

بقيَ قومُ إبراهيم في الضَّلال المُبين، وبقي إبراهيمُ يُعمِلُ عقلَه في مَلَكوت السّموات والأرض، ولئنْ كانتِ الكواكبُ آلهةً تُعبَدُ من الآخرين فهي لا يمكنُ أن تكون آلهةً عند إبراهيم لأنَّ الإلهَ الحقيقيَّ يرافقنا في كلِّ مكان لكنَّ تلك الكواكب تظهرُ ساعاتٍ وتأفُل أخرى، فلا بُدَّ أن يكونَ هناك إدارةٌ تضبطُ عملَ تلك الكواكبِ التي لا تملكُ من أمرها شيئاً، فكان إبراهيمُ عليه السَّلام يستعينُ بالله لئلّا يَضِلَّ مثلَ قومه ويتَّخذَ واحداً من تلك الكواكب إلهاً من دون الله فهداه اللهُ وأعانَه وملأَ قلبَه باليقين.

تُبيِّنُ لنا هذه الآياتُ جُرأةَ إبراهيم عليه السَّلام في المُحاكَمة العقليَّة التي قام بها، ونفهمُ منها أنَّ البحثَ عن الطريق الموصل إلى الطمأنينة القلبيَّة لا بُدَّ أن يمرَّ في مرحلةٍ من الشَّكِّ والدِّراسة والتجرُّد من الأحكام المُسبقة والتَّقليد الأعمى.

وقد حاجَّه قومُه في الله، وجاء منهم ملكٌ يدَّعي أنَّه إلهٌ يُحيي ويُميت لكنَّ حُجَّةَ إبراهيم عليه السَّلام أبطلتْ أكاذيبَ ذلك الملكِ الظَّالم كما تشيرُ إلى ذلك الآيةُ القرآنيَّة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} البقرة ( 258:2).

أعلنَ إبراهيمُ إذاً خضوعَه للذي خلَقَ تلكَ الكواكبَ إلهاً واحداً واستقامتَه على الطريق الذي يوصلُه إلى هذا الخالق، وفي تلك اللحظة التي وضَعَ إبراهيمُ قدمَه فيها على طريق الحقِّ شعَرَ بالأمن الدَّاخليِّ والسَّلام وتحرَّر من الخوف الذي يسكنُ قلوب أولئك الذين يعبدون آلهةً متعدِّدة، فمَن يؤمنُ “يصدِّق من صميم قلبه”بإلهٍ واحدٍ يشعرُ بأمنِ وطمأنينة جوارحه ولا يخشَ أحداً من دون الله، وبذلك أصبحَ إبراهيمُ عليه السّلام من الشَّاهدين على وحدانيَّة الله فاطرِ السَّموات والأرض.

وحين وَجَدَ إبراهيمُ أنَّ نصحَه الكلاميَّ لبني قومه لم يلقَ آذاناً صاغيةً وقلوباً تعقلُ ضاقَ ذرعاً بالأصنام التي يصرُّ قومُه على عبادتها فانهالَ عليها بيده تحطيماً وتدميراً ليثبتَ لقومه بالفعل أنَّ الصَّنمَ الذي لا يستطيعُ حمايةَ نفسه لا يمكن أن يكون إلهاً، لكنَّ قومَه أصرُّوا على شِركهم وغضبوا لما فعله إبراهيمُ بآلهتهم وقرَّروا عقابَه.

لكنَّ الله خالقَ السَّموات والأرض لا يتركُ مَن جاء إليه، بل يدافع عن الذين آمنوا به حقّاً وخضعوا واستكانوا له، وكذلك دافعَ عن نبيِّه إبراهيم عليه السَّلام ونجَّاه من النَّار التي أوقدَها قومُه لحرقه فيها، وفي ذلك أيضاً آيةٌ من آيات الله التي ملأتْ قلبَ إبراهيم باليقين.

وإن كان لنا من درسٍ يجب استخلاصُه اليوم فهو بلا شكَّ يتعلَّق بضرورة تحطيم الأصنام الفكريَّة التي زُرعَتْ في عقولنا على مدى السِّنين الطويلة وحالتْ بيننا وبين طريق الهُدى”مِلَّة إبراهيم”، وذلك لا يتمُّ سوى بالصِّدق في البحث والتجرُّد عن الأحكام المُسبقة وعن التَّقليد الأعمى وحينئذٍ سنجدُ اللهَ معنا يحفُّنا بعنايته وحفظه وتأييده كما حَفِظَ إبراهيمَ وأيّده:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ، قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ، قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ، قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ، وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ، قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ، قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ، قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ، قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ، فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ، قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ، أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} الأنبياء (51:21_70).

تُشير الآياتُ إلى أنَّ إبراهيمَ عليه السَّلام لم يكن متقدِّماً في العمر آنذاك”حين قرَّر قومُه إحراقَه” لأنَّ قومَه ينعتونه بالفتوَّة “مرحلة القوَّة ومُقتَبل العُمر”، لكنَّ ذلك الفتى وقفَ في وجه عابدي الأصنام بدون خوف لأنَّ قلبَه شهدَ على وحدانيَّة الله.

قرَّر إبراهيمُ عليه السَّلام السَّير في طريق الهداية، وكلُّ واحدٍ منَّا له الحرّيَّة الكاملة في اتخاذ مثل هذا القرار، وعندئذٍ سيجدُ الله معه بالتأييد التامِّ وبتيسير السَّير في ذلك الطريق”فإنّه سَيَهْدينِ”.

{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ، إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ، أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ، فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ، فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ، فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ، فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ، مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ، فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ، قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ، قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ، فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ، وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} الصّافّات (83:37_99).

في قول إبراهيم عليه السَّلام لقومه” أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ” إشارةً لأولي الألباب أنَّ ما يصنعُه البشرُ لا يمكنُ بحالٍ أن يكون إلهاً يُعبَدُ، فالإلهُ الحقيقيُّ لا يُخلقُ ولا يحتاج في استمراره لشيءٍ خارجيٍّ.

لقد قامَ إبراهيمُ عليه السَّلام بمهمَّة تبليغ الرِّسالة، وناصَحَ قومَه وحرَّض عقولَهم على التحرُّر من قيودها الوثنيَّة وحاجَجَهم في أصنامهم التي لا تغني عنهم من الله شيئاً ودعاهم إلى التفكُّر في الآيات الكونيَّة التي بثَّها اللهُ على امتداد الأبصار، وذكَّرهم أنَّ تلك الأصنام التي يعكفون على عبادتها ستكفُرُ بهم يومَ يجمعُ اللهُ النّاسَ ليومٍ عظيم، فما آمَنَ معه عليه السَّلام إلّا قليلٌ من بني قومه ومن هؤلاء لوط الذي أصبَحَ نبيَّاً فيما بعد.

{إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ، أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يُعَذِّبُُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ، وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِير، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ، فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} العنكبوت (17:29_26).

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} الممتحنة (4:60).

قرَّرَ إبراهيمُ عليه السَّلام ومَن آمنَ معه إذاً مغادرةَ أرض قومهم بعد أن أدَّى الأمانةَ وبلَّغَ الرِّسالة، لكنَّ كثيراً من بني قومه أصرّوا على الإقامة على الضَّلال وظلموا أنفسَهم كما تشيرُ الآيةُ القرآنيَّة:

{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } التوبة (70:9).

2. مِلّةُ إبراهيم تعني اليقين التامَّ بقدرة الله:

هَجَرَ إبراهيمُ أرضَ الأوثان وراح يبحثُ عن أرضٍ يَعبدُ فيها اللهَ وحدَه، وحتّى يزداد تمسُّكاً بالله ويقيناً بعظمته فقد توجَّه إلى الله راجياً منه تبياناً عمليّاً لإحياء الأموات كما تشير الآيةُ القرآنيَّةُ:

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة (260:2).

كانت هذه أيضاً من آيات الله التي رسّختِ الطمأنينةَ واليقينَ التامَّ في قلب إبراهيم عليه السَّلام، فقد رأى بعينيه كيف أحيا اللهُ الطُّيورَ الأربعةَ المذبوحة التي فرَّقها إبراهيمُ عليه السَّلام إلى أجزاء متناثرة على رؤوس الجبال ثمّ جمعَ اللهُ أجزاءَها وعادتْ إلى إبراهيم تحلِّقُ في سِربٍ واحد.

3. القلبُ السَّليم يؤمنُ بالله ويستكين له في كلِّ أمرٍ :

استقرَّ إبراهيمُ عليه السَّلام في فلسطين كما تذكرُ المصادرُ التاريخيَّة لكنّه ترَكَ زوجتَه وابنَه الوحيد آنذاك”إسماعيل” أمانةً عند الله في وادٍ غير ذي زرعٍ في مكَّة المُكرَّمة قريباً من البيت الحرام كما تُشير الآيةُ القرآنيَّة:{ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ، رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} إبراهيم (37:14_38).

لا أعتقدُ أنَّ هناك بلاءً أشدَّ على الإنسان من فقْدِ ابنه، فكيف لو كان ذلك الإنسانُ هو الذي يجبُ عليه أن يذبحَ ابنَه بيديه؟ ذلك هو البلاءُ المبين، فقد فهمَ إبراهيمُ عليه السَّلام من الرّؤيا أنَّ عليه أن يذبحَ ابنَه الوحيد آنذاك، أي أنَّه اعتبرَ ذلك أمراً من الله له بذبح ابنه الذي بلغَ للتوِّ أوّلَ شبابه.

إنَّ تلك الرُّؤيا كانت تحتاج إلى تأويل “مثل رؤيا يوسُف عليه السَّلام التي تحقَّق تأويلُها ولم تتحقَّق هي بذاتها” فلا يُعقَلُ أن يأمرَ اللهُ إبراهيمَ عليه السَّلام بذبح ابنه الوحيد”فلا قُربانَ بشريَّ في دين الله”، لكنّ ورَعَ وحرصَ إبراهيم على تنفيذ ما ظنَّه أمراً من الله دفعاه إلى تصديق الرؤيا كما هي دون تأويل، وهذا التصديقُ كان عينَ البلاء لإبراهيم عليه السَّلام والذي استحقَّ من خلاله ثناءَ الله تعالى.

 يقول اللهُ تعالى:{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} الصّافّات (100:37_111).

كذلك نرى في الآية السَّابقة رضوخَ إسماعيل عليه السَّلام وصبرَه حين سمعَ أمرَ الرؤيا من والده، وتؤكّد الآياتُ التالية هذه الحقيقة: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} مريم (54:19_55).

لقد كان إسماعيلُ صادقَ الوعد الذي قطعَه على نفسه أمام إبراهيم عليه السَّلام بأن يكون صابراً أمام تنفيذ ما فهمَه والدُه من الرؤيا:{ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ} الأنبياء (85:21).

أتمّ إبراهيمُ وإسماعيلُ عليهما السَّلام الامتحانَ بنجاحٍ كبير واستحقَّا ثناءَ الله واستحقَّ إبراهيمُ عليه السَّلام مرتبةَ”إمامة النَّاس” وكانا عليهما السَّلام أوّل مَن رَفَعا قواعدَ البيت الحرام ليكون مهوى أفئدة النَّاس جميعاً كما تذكرُ الآيةُ القرآنيَّة:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} البقرة (124:2_125).

إنّ الإمامَ هو الكيان الذي يكون سبباً لتوحيد الاتّجاه لجماعةٍ من النَّاس، وهو قد يكون إنساناً كما هو الحال مع إبراهيم عليه السَّلام، وقد يكون كتاباً كما في قوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} هود (17:11).

{وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} الأحقاف (12:46).

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} يس (12:36).

إنّ الإمامَ يمثّلُ الكيانَ المحفّزَ لتوحيد الجهود والاتجاهات وهذا ما يزيدُ من قوّة المجموعة التي تأتمُّ بذلك الإمام، وبهذا المعنى استحقَّ إبراهيمُ عليه السَّلام وصفَ الله له”إمام الناس” أي النموذج والأسوة التي ينبغي أن يتتبّع كلُّ الناس خطاه.

 إذاً فقد تولَّى إبراهيمُ عليه السَّلام مع ابنه إسماعيل مهمَّة إعادة بناء البيت الحرام ليكونَ وجهةَ وقبلةَ المسلمين الموحِّدين لله ربِّ العالمين أينما كانوا، هذا ما تؤكّدُه الآياتُ التَّالية:

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} البقرة (127:2).

{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } آل عمران (96:3_97).

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ،  وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ،  ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ، ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحجّ (26:22_32).

4. البُشرى لمَن يتّبعُ مِلّةَ إبراهيم:

وجاءت الملائكةُ بعد ذلك تُبشِّرُ إبراهيمَ بإسحاق ومن وراء إسحاقَ يعقوب:

{وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ، إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ، قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ، قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ، قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} الحِجْر (51:15_56).

{وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ، قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} هود ( 69:11_73).

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ، فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ، فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ، قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} الذّاريات (24:51_30).

{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ} الصّافّات (112:37_113).

وفقَ اللُّغة العربيَّة فإنَّ دلالةَ الآية هي أنّ البُشرى هي بإسحاق ذاتِه، وليس بجعل إسحاق الموجود نبيّاً، لا ريبَ في ذلك، ولمَّا كانت آياتُ القرآن يصدِّقُ بعضُها بعضاً ويُفصِّلُ بعضُها بعضاً، فهذه البُشرى كانت مقترنةً أيضاً بما أظهرته الآيةُ الأُخرى، أي

بإسحاق ومن ورائه يعقوب: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} هود(71:11).

لذلك كان إبراهيمُ يعلم أنَّ إسحاق سيعيش وسيصبحُ نبيَّاً، ولا يُمكن أن يُقال له وقد علم ذلك: “اذبحْ إسحاق”، فالتّبشير بإسحاق حَدَثَ بعد الابتلاء.

{فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا، وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} مريم (49:19_50).

{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ، وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} الأنبياء (71:21_73).

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} العنكبوت (27:29).

{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء، رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم (39:14_41).

حوار إبراهيم عليه السَّلام مع الرُّسل الذين بشَّروه بإسحاق حول قوم لوط عليه السَّلام”وفي هذا دَلالةٌ على أنّ إبراهيم ولوط عليهما السَّلام كانا يعيشان في منطقتين متقاربتين في ذلك الوقت” :

{ ….وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ، وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ، إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} العنكبوت (27:29_35).

{… فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ، يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} هود (74:11_76).

{…. قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ، قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ، إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} الحِجر (57:15_60).

{… قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ، قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ، لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ، مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ، فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} الذَّاريات (31:51_ 36).

5. الدّعاءُ إلى الله جزءٌ أساسيٌّ من ملّة إبراهيم:

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} البقرة (126:2).

{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} البقرة ( 128:2_129).

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ، رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء، الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء، رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم (35:14_41).

الخاتمة

رسالةُ الله إلى النَّاس باتّباع ملَّة إبراهيم:

{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} الشّورى (13:42).

{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} البقرة (130:2_134).

{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ، قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ، أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} البقرة (135:2_141).

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ، هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ، مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} آل عمران (65:3_68).


[1] المعجم الوسيط

[2] قاموس المعاني

[3] قاموس المعاني

تعليق واحد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.