حبل الله
تلقي النبي للآيتين الأخيرتين من سورة البقرة

تلقي النبي للآيتين الأخيرتين من سورة البقرة

السؤال: تشير بعض الروايات أن الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة تلقاهما النبي صلى الله عليه وسلم دون وساطة جبريل عليه السلام. ما مدى صحة ذلك؟

الجواب: ورد هذا فيما روي عن عبد الله بن مسعود بخصوص ليلة المعراج فقال “فأُعطي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا من المقحمات”[1]

ولا بد لنا من أن نعرض هذه الرواية على كتاب الله تعالى حتى نتبين موافقتها أو مخالفتها له.

لقد أفصح القرآن الكريم كيف يُكلم الله تعالى الناسَ كما ورد في سورة الشورى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الشورى، 51)

من خلال الآية يتبين أن الله تعالى يُكلم الناس بثلاث طرق لا غير:

1_ الوحي: ويقصد به الإلهام، ومثله ما ورد في قوله تعالى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (القصص، 7) وكما يكون الإلهام لعموم البشر يكون للحيوان كذلك كما ورد في قوله تعالى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} (النحل، 68)

2_ من وراء حجاب: ومثله ما ورد من كلام الله تعالى لموسى عليه السلام: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (القصص، 30) وبهذا المعنى يفهم قوله تعالى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء، 164)

3_ بواسطة الرسول (جبريل عليه السلام)

والرسالة  لا تصل إلى النبي  إلا من خلال أمين الوحي جبريل عليه السلام، وقد أورد القرآن الكريم ذلك بقوله تعالى {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (الشعراء، 192_194) وقال أيضا {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (البقرة، 97) نفهم من الآيتين السابقتين أن القرآن كله قد نزل على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام. وهذا النوع من الكلام لا يتلقاه سوى الأنبياء.

ويتم تلقي النبي للرسالة تحت رعاية الله تعالى وحفظه، حيث يقول سبحانه مخاطبا نبيه {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (القيامة، 16_17) وحتى لا يتسرب إلى النفس أدنى شك في صحة تلقي الوحي وتبليغه قال سبحانه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر، 9)

نخلص إلى أن كلام الله للبشر يكون بإحدى طرق ثلاث: الإلهام، والكلام من وراء حجاب، وبواسطة رسول. ونزول الرسالة بواسطة جبريل عليه السلام مختص بالأنبياء دون غيرهم من البشر. والقرآن الكريم كاملا ومن ضمنه آخر آيتين من سورة البقرة تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام، والرواية التي نسبت الى عبد الله بن مسعود لا تتفق مع صريح القرآن في هذه المسألة فلا ينبغي اعتمادها.



[1]  أخرجه أحمد في المسند عن عبد الله بن مسعود، (3665) ومسلم (173) (279) ، وأبو يعلى (5303) والنسائي في “المجتبى” 1/223-224، وفي “الكبرى” (315) ، والترمذي (3276) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.