حبل الله
تفنيد أدلة القائلين بأن الملائكة غير الجنّ

تفنيد أدلة القائلين بأن الملائكة غير الجنّ

أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، وقد ورد هذا الأمر في سبعة مواضع في القرآن الكريم[1] كلها يدل أن ابليس كان من الملائكة، ومن تلك المواضع قوله تعالى {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (ص،73_74). ولو لم يكن إبليس من الملائكة لما شمله الخطاب الآمر بالسجود لآدم، ولما سُئل عن عدم سجوده، لأنه غيرُ مكلف به.

وقد احتج القائلون بكون الملائكة غير الجن بالآيتين التاليتين:

الأولى: بقوله تعالى في سورة الكهف {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (الكهف، 50) حيث قيل إن الأمر كان موجها للملائكة، لكن إبليس كان من الجن كما أشارت الآية، ولو كان ملكا لكان السياق “إلا إبليس كان منهم ففسق عن أمر ربه” .

ولا يمكن من حيث البلاغة أن يقال كان منهم ففسق عن أمر ربه، لأن الاستثناء يدل على ذلك أصلا. فإن افترضنا أن الآية “إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنهم” يصبح تكرارا يضعف بلاغة النص القرآني، وهو منزه عن ذلك.

والصحيح أن في الآية بلاغة عجيبة تدرك بالتأمل : الملائكة ليسوا كائنا مستقلا عن الجن، بل هم المقربون والمخلصون منهم، فلما استكبر إبليس عن الامتثال لأمر الله انخلعت عنه صفة المقرب وأشير إليه بجنسه أي الجن، ولذلك يصلح القول إن كلَّ ملك جنيٌّ وليس كلُّ جني ملكا، وقد استحق ابليس بعد عصيانه صفة جديدة وهي الشيطان.

فالشياطين هم العصاة المردة من الجن، أما الملائكة فهم المقربون والمرسلون والموكلون منهم. ويساعد على هذا الفهم المعنى اللغوي لكلمة الملك.

(الملك) من (الملائكة) واحد وجمع، ويقال: ملائكة وملائك[2] والمَلائِكَةُ جمع ملأَكَة، ثمَّ تُرِكَ الهَمْزُ، فَقيل: مَلَكٌ فِي الوحدان، وأَصلُه مَلأَك، وقالَ ابنُ عَبّاد: قد يكونُ الأَلُوكُ: الرَّسُولُ. وَقد اسْتَألكَ مَألُكَتَه، أَي: حَمَلَ رِسالَتَه[3].

الآية الثانية: قال تعالى {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ.} (سبأ،40_41) ووجه الاستدلال أن الله تعالى قد سأل الملائكة إن كان الكفار قد عبدوهم. فقالت الملائكة بل كانوا يعبدون الجن. فلو كانوا جنسا واحدا لما صحّ أن تقول الملائكة ما قالوا ولأجابوا بنعم.

إن الإستدلال بهذه الآية غير صحيح كما أن توجيه الاستدلال غير سليم للأسباب التالية:

1_ صحيح أن الملائكة من الجن لكنهم مختلفون عنهم بأنهم مقربون؛ أي يختلفون بالصفة التي يُبنى عليها الفوز والخسران في الآخرة. إن تمايز الملائكة عن بقية الجن شديد لدرجة الإنفصال الكلي؛ فهم طائفة مشغولة بتنفيذ ما هم موكولون به كما أنهم الملأ الأعلى، ولشدة ذلك التمايز قالوا “بل كانوا يعبدون الجن” وكأنهم ينؤون بأنفسهم أن يكون لهم علاقة بهم.

وقد ورد في القرآن الكريم ما هو متماثل في اللفظ مختلف في المعنى كما دل عليه السياق، وذلك مثل قوله تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران، 173) فرغم أن كلمة الناس تدل على جملة البشر من حيث الأصل، إلا أن سياق الآية يرفض أن يكون المقصود جملة البشر، بل كلمة الناس الأولى تدل على جماعة، وكلمة الناس الثانية تدل على جماعة أخرى، وكلا الجماعتين لا تمثلان جملة البشر.

2_  ويمكن أن يكون معنى الجن هنا المستتر؛ والمقصود ما استتر في عقولهم مما خُيِّل لهم أنهم آلهة من دون الله تعالى، وهو المُعَبَّر عنه بالهوى في آيات أخرى، مثل قوله تعالى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}[4] (الفرقان، 43) فيكون معنى قول الملائكة “بل كانوا يعبدون الجن”، أي كانوا يعبدون ما جُنّ في مخيلاتهم نتيجة اتباعهم الهوى. وفي ذلك اليوم يتبرأ كل المعبودين من دون الله ممن عبدوهم كما يظهر من قوله تعالى {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (الأحقاف، 6)

للمزيد حول الموضوع تفضل بالضغط على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=2191



[1] البقرة، 34 والاعراف، 11 والحجر،31 والإسراء، 61 والكهف،50 وطه،16 وص، 74

[2] مختار الصحاح، مادة م ل ك

[3] تاج العروس، مادة ألك

[4] وكذلك انظر الآيات الأعراف، 176 والكهف، 28 وطه، 16 والقصص،50 والجاثية، 23

التعليقات

    • الأخ محمد حفظك الله ورعاك
      لا ندعي أننا على الصواب المطلق فهذه دراسة تخضع للنقاش والاثراء من قبل الباحثين أمثالك ونحن نرحب بطرحك لعلنا نصل إلى الصواب، فغايتنا أولا وأخيرا أن نصل إلى الحق ولعله يكون فيما ستنقله من أدلة وأفكار.

  • ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون 40 قالوا سبحانك أنت
    ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون

    لاكلام بعد كلام الله فهل أنتم منتهون؟

    • إن الإستدلال بالآية التي ذكرت غير صحيح كما أن توجيه الاستدلال غير سليم للأسباب التالية:

      1_ صحيح أن الملائكة من الجن لكنهم مختلفون عنهم بأنهم مقربون؛ أي يختلفون بالصفة التي يُبنى عليها الفوز والخسران في الآخرة. إن تمايز الملائكة عن بقية الجن شديد لدرجة الإنفصال الكلي؛ فهم طائفة مشغولة بتنفيذ ما هم موكولون به كما أنهم الملأ الأعلى، ولشدة ذلك التمايز قالوا “بل كانوا يعبدون الجن” وكأنهم ينؤون بأنفسهم أن يكون لهم علاقة بهم.

      وقد ورد في القرآن الكريم ما هو متماثل في اللفظ مختلف في المعنى كما دل عليه السياق، وذلك مثل قوله تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران، 173) فرغم أن كلمة الناس تدل على جملة البشر من حيث الأصل، إلا أن سياق الآية يرفض أن يكون المقصود جملة البشر، بل كلمة الناس الأولى تدل على جماعة، وكلمة الناس الثانية تدل على جماعة أخرى، وكلا الجماعتين لا تمثلان جملة البشر.

      2_ ويمكن أن يكون معنى الجن هنا المستتر؛ والمقصود ما استتر في عقولهم مما خُيِّل لهم أنهم آلهة من دون الله تعالى، وهو المُعَبَّر عنه بالهوى في آيات أخرى، مثل قوله تعالى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}[9] (الفرقان، 43) فيكون معنى قول الملائكة “بل كانوا يعبدون الجن”، أي كانوا يعبدون ما جُنّ في مخيلاتهم نتيجة اتباعهم الهوى

  • أولا :
    لابد أن نفرق بين خلق الملائكة وخلق الجن فالملائكة خلقت من نور والجن خلقت نار
    في الحديث
    : ((خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم كما وصف لكم)) رواة مسلم

    ثانياً
    بقول الله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ) [الكهف:50].
    وبعصمة الملائكة من ارتكاب الكفر الذي ارتكبه إبليس، قال الله تعالى: (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
    وقال تعالى:(لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء:27].
    وردوا على استثنائه من جنس الملائكة بأنه كان يتعبد معهم فأطلق عليه اسمهم كالحليف يطلق على اسم القبيلة.
    ثالثا
    عاش الجن في الأرض قبل خلق الإنسان الأول وهو سيدنا آدم عليه السلام ونزوله من الجنة إلى الأرض، حيث أمرهم الله تعالى بعبادته وطاعته وشكره على النعم التي أنعمها عليهم، ولكن الغالبية العظمى من الجن خرجوا عن أمر الله تعالى وعصوه وسفكوا دماء بعضهم البعض وحرماتهم، فأنزل الله تعالى عليهم الملائكة بعذابه وعقابه على ما فعلوا وقتلت الملائكة عدد كبير منهم وهرب البعض الآخر إلى أعالي الجبال واختبئوا فيها، وأسر الملائكة من الجن إبليس ورفعوه معهم إلى السماء حيث تاب إلى ربه هناك وعاش في السماء مع مخلوقات الله من الملائكة إلا أن خلق الله تعالى سيدنا ادم عليه السلام من طين وأمر الملائكة والجن بالسجود له فسجد الملائكة ورفض إبليس السجود له لاعتقاده بأنه أفضل منه فهو مخلوق من نار أمّا سيّدنا آدم عليه السلام فمخلوق من طين، وطرد الله تعالى إبليس من رحمته بسبب عصيانه لأوامره، وطلب إبليس من الله تعالى أن يتركه إلى يوم القيامة حتى ينتقم من سيدنا آدم وسلالته من الإنس بإضلالهم عن طريق الصواب وعبادة الله عزّ وجلّ وتجميل طريق المعصية لهم بمساعدة جنوده ومن اتبعه من الجن الكافر، فتسبّب إبليس في معصية سيدنا آدم لربه حيث تم ترضه من الجنة إلى الأرض ليعيش فيها، وعاد إبليس إلى الأرض متتبعاً سيدنا آدم وذريته من الإنس.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.