حبل الله
الحامل والمرضع في رمضان

الحامل والمرضع في رمضان

السؤال: هل يجب الصوم على الحامل والمرضع في نهار رمضان؟ وإن أفطرت بسبب الخوف على الجنين أو الرضيع فهل يجب عليها الفدية أو القضاء، أم كلاهما معا؟

الجواب: نظرا لما يتركه الصيام من آثار سلبية على الأم والجنين أو الرضيع فإنهما غير مكلفتين بالصيام أصلا، وبما أنهما غير ملكلفات بالصيام فإنه لا يجب عليهن القضاء بعد رمضان، ولأنه سقط عنهن التكليف بالصيام فإنه لا فدية عليهن في نهاية رمضان (الفدية هي زكاة الفطر) لأن زكاة الفطر تجب على من قدر على الصيام لقوله تعالى:

{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (البقرة، 184).

ولا يصح قياس الحامل والمرضع على المريض العارض، لأنهما لا تدخلان تحت مسمى المريض لغة ولا شرعا، بل هن حالة مختلفة تتطلب حكما مختلفا، والقياس في حقهما تمحل كبير وغير مقبول.

وقد ورد ذكر الحالة الخاصة بالحامل والمرضع في القرآن الكريم في أكثر من آية كما يلي:

قال الله تعالى:

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأعراف، 189)

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان، 14)

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} (البقرة، 233)

نفهم من الآيتين الأولى والثانية أن الوهن والضعف العام يلحق بالحامل والمرضع.

وفي الآية الثالثة ورد ما يفيد بأنه لا يُكلَّفُ الانسانُ بما ليس في وسعه ثم ورد قوله تعالى مباشرة: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}

وعندما ننظر الى المرأة الحامل أو المرضع فإنا نستطيع أن نقدر حالة الضعف العامة لديها؛ لأن ما تتناوله من طعام وشراب ينصرف في حاجاتها وولدها على حد سواء، عدا عن الثقل العام بفعل تغير النظام العام للجسم. ولا شك أن إيجاب الصوم عليها غير معقول بالنظر الى الآيات المنزلة التي تقرر حالة الضعف العامة لهما، وآيات الفطرة تؤيد ذلك وتدل عليه.

وقد ذُكر في خمسة مواضع من القرآن الكريم أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ومع ذلك علمنا ربنا سبحانه أن ندعوه بأن لا يحملنا ما لا طاقة لنا به بقوله تعالى:

{ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة، 286)

وبالجمع بين الآيات المذكورة سابقا يمكننا القول أن الحامل والمرضع غير ملكلفات بالصيام لما يتركه الصيام من ضرر يلحق بالأم والجنين أو الرضيع على حد سواء، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلاةِ، وَعَنِ الْحَامِلِ، وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ”[1].

ووضْعُ الله تعالى شطرَ الصلاة عن المسافر  يمعنى أنه يصلي ركعتين بدلا من أربع، ومع ذلك لا يجب عليه قضاء الركعتين الأخريين، لأن هاتين الركعتين قد رُفعتا أصلا من التكليف؛ لذا لم يجب قضاؤهما عند الانتهاء من السفر. أما الحامل والمرضع فقد وضع الله تعالى عنها الصوم كله، فلا يقضيان بعد رمضان؛ لأنه لم يجب أصلا في حقهما. وهذا يلزم أن لا يكون عليهما كفارة أو فدية.

ويؤيد ذلك ما روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وقيل عن ابْنِ عُمَرَ  قَالَ: “الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ تُفْطِرُ وَلَا تَقْضِي”[2].


[1] شرح السنة، للبغوي، بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الإِفْطَارِ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ، 1769

[2]سنن الدارقطني، باب طلوع الشمس بعد الافطار، (2385) وعلق الدارقطني على الرواية بقوله: وَهَذَا صَحِيحٌ

التعليقات

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.