حبل الله
دراسة قرآنية حول فعل “شاء” وما يتعلق به

دراسة قرآنية حول فعل “شاء” وما يتعلق به

أ.د عبد العزيز بايندر

شيء وفطرة كلمتان يوجد بينهما علاقة وثيقة. فالشيء هو الموجود؛ أما الفطرة، فهي مجموعة القوانين التي بها تتكون البنية الأساسية للموجودات، وهذه الموجودات تتطور وتتغير في ظل تلك القوانين. وللقدر والإرادة أهمية كبيرة في تكوين الشيء أي الموجودات. فالقدر هو المعيار والمقياس في الموجودات. أما الإرادة فهي الطلب واتخاذ القرار في إيجاد شيء.

وكلمة “الشيء” مصدر واسم في الوقت نفسه. والمصدر هو ما اشتقت منه الكلمات. وقد اشتق من الشيء فعل “شاء” الذي يعني القيام بفعل ما مع الاختيار. وهي كلمة طالما وردت في الآيات المتعلقة بالتكاليف، وعلى هذا فهي تعني الاختيار من الله أو من العبد. ولا يتحقق ما اختاره العبد إلا بإختيار الله تعالى. وعلى هذا فالله تعالى يخلق ما اختاره العبد مع عدم إرادته له ليتحقق معنى الامتحان.

 وقد اشتق من الشيء مصدرا ميميا (مشيئة) خلافا للقواعد العربية. والتي لم ترد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الشريفة.. وقد أُحدثت هذه الكلمة وبدأ استعمالها بعد العصر النبوي والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ولم يعرفها العرب الأوائل. وكانت تعني في البداية القيام بفعل ما بالاختيار. فما لبثت أن صار يستعملها المتكلمون بمعنى الإرادة خلافا للقواعد العربية، وبذلك أصبحت كلمة شاء تستعمل بمعنى أراد حتى قيل إنه “لا فرق بين المشيئة و الإرادة عند أهل السنة”.

والتغير الجذري في معنى الكلمة أدى إلى تغير آخر، حيث أُسند فعل شاء إلى لفظ الجلالة في مواضع كثيرة كان لا بد من أن يسند الفعل فيها إلى العبد. وبهذا أصبحت الآية التي وردت فيها كلمة شاء متناقضة في نفسها أو مع غيرها من الآيات.

وعلى سبيل المثال نأخذ الآية الرابعة من سورة إبراهيم، قال الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»

فالذي اختار الهداية في هذه الآية هو الإنسان. ولكن بعد حدوث التغيير في معنى “شاء” تم تفسير الآية على النحو التالي: أنّ الله تعالى يرسل إلى الأقوام رسلاً منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم، وبعد البيان وإقامة الحجة عليهم فيضل الله تعالى من يريد إضلاله عن وجه الهدى، ويهدي من يريد هدايته إلى الحق، وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، الحكيم في أفعاله. وعلى هذا فإختيار الضلالة أو الهداية لم يقع من الإنسان بل وقع من الله تعالى، وبالتالي لم يكن معنى لإرسال الله تعالى رسلا وإنزاله كتبا بلغاتهم وقيام الرسل بالتبليغ. وقد أدى هذا الفهم إلى خلق الشبهات حول كون القرآن الكريم من عند الله تعالى، لأنه سبحانه منزه عن أن يقوم بفعل ليس له معنى.

كما سنرى في موضوع “القدر” كيف يأولون الآيات المتعلقة بالتكاليف وبعلم الله تعالى بتأويلات لا يقبلها العقل السليم لينقذوا القرآن من التناقض الذي أحدثوه بأيديهم. وقد دار على كثير من المصطلحات والكلمات ما دار على كلمة شاء فأشكل على المسلمين فهم القرآن الكريم على شكل صحيح. كما أصبح القدر عقيدة غامضة يتحرج من الحديث فيه كبار العلماء، حيث جُعِل أصلا من أصول الإيمان. وهو ليس كذلك البتة، بل هو في الحقيقة يعني المعايير والمقاييس للموجودات،  ولذا فإنّ هذا الموضوع مهم للغاية.

شيئ و شاء

وكلمة “الشيء” مصدر واسم في الوقت نفسه. والمصدر هو ما اشتقت منه الكلمات، وكذا الفعل قد اشتق منه.  والفعل والمصدر لا يختلفان في المعنى. غير أن الفعل يدل على أحد الأزمنة الثلاثة.[1] وعلى هذا فـ “شاء” بمعنى أحدث شيئا. فالشيء إذا كان اسما يعني الموجود[2]، وإذا كان مصدرا يعني الإيجاد.

وقد اشتق من “الشيء” فعل “شاء”[3]  وهو من الأفعال المتعدية إلى مفعول.[4] وكثيرا ما لا يذكر مفعوله لدلالة سياق الجملة عليه. حيث يكون المفعول الإيمان إذا كان الكلامُ عن الإيمان، والكفرُ إذا كان الكلام عن الكفر، وهكذا..

و”شاء” فعل له علاقة وثيقة مع فعل “أراد”. فيطلق على ما اختاره الإنسان من الأفعال المرتبطة بالإمتحان، وعلى ما خلقه الله تعالى من الأشياء. وعلى هذا فيكون فاعل “شاء” لفظ الجلالة – الله تعالى – أو الإنسان. وإذا كان الفاعل لفظ الجلالة – الله تعالى- كان معناه إختار وخلق. وإذا كان الفاعل هو الإنسان فيكون معناه إختار وفعل. كما جاء في قوله تعالى: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (سورة القصص، 28 / 68).

أ‌.                   الجزء الأول من الآية

«وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ» وكلمة “يختار” في هذا الجزء من الآية عطف تفسير يفسر معنى كلمة “يشاء” أي أنه تعالى يخلق ما يختار. وهذا يدل على أن “شاء” يكون بمعنى خلق إذا كان الفاعل لفظ الجلالة – الله-. فلا يقال “شاء الله إلا عما وقع عليه منه الاختيار. كما يدل  على ذلك الأجزاء الباقية من الآية.

ب‌.               «ما كان لهم الخيرة»

و”ما” في هذه العبارة من الآية اسم موصول. ومعنى الآية إلى هنا: أن ربك يخلق ما يختار مما لعباده حق الاختيار. يؤيد ذلك قوله تعالى: «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ» (سورة الشورى، 42 / 30). وبالتالي فإن الله تعالى لا يخلق نتائج كل ما نختاره خطأ.

والآية التالية تدل أيضا على أن الإنسان يُجزى على ما اختاره وفعله. قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُون» (سورة الجاثية، 45 / 15).

وقوله تعالى: « مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (سورة القصص، 28 / 84).

والذي يتوافق إختياره مع إختيار الله تعالى هو المؤمن بالله والمستسلم له. أما الذي يكون إختياره مخالفا لإختيار الله تعالى فهو الكافر الذي لا يؤمن بالله ولا يثق به. قال الله تعالى: « وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا» (سورة الأحزاب، 33 / 36).

والعبادة هي الانقياد المطلق. والذي يختار من الأفعال ما يخالف إختيار الله تعالى فهو كافر لا يعترف بنعم الله عليه. ويقال عنه المشرك لإتخاذه إلها غير الله.

ت‌.                الجزء الأول مع الجزء الثاني من الآية

لو قرأنا الجزءين الأول والثاني من الآية معا يظهر المعنى أكثر وضوحا:  “وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة”  وَرَبُّكَ يشاء (يخلق ما يختار مما يختارون) فيشاؤون (فيفعلون ما يختارون). وبالتالي فهي تفسير لقوله تعالى: “وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين” وَمَا تَشَاءُونَ (أي وما تفعلون ما تختارون) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (أي إلا أن يختاره الله ويخلقه).

ث‌.               الجزء الأخير من الآية

وهو قوله تعالى: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (سورة القصص، 28 / 68). يبين الله تعالى في هذا الجزء من الآية أنه خلق الشرك في قلب المشرك ولكنه لم يرده منه. كما نفهم ذلك أيضا من قوله تعالى: «وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ» سورة الزمر، 39 / 7). وقوله تعالى: «مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ . لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ» (سورة الروم، 30 / 44-45).

وقد اختار نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام سبعين رجلا من قومه ليوم حدده الله تعالى له للتوبة، فلما أخذتهم الرجفة قال: « رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ[5] أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا[6] إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ» (سورة الأعراف، 7 / 155).

وقوله تعالى: «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (سورة يونس، 10 / 25) يعطينا معلومات واضحة في معنى “شاء”. وكذلك قوله تعالى: «قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ» (سورة الرعد، 13 / 27).

وقد دل جميع ما ذكرنا من الآيات أن الفعل “شاء” يأتي بمعنى إختار. فإذا كان الفاعل لفظ الدلالة – الله- يكون المعنى إختار وخلق. وإذا كان الفاعل الإنسان يكون المعنى إختار وفعل.[7]

فالإيمان والكفر يتحققان بإختيار وخلق من الله تعالى نتيجة إختيار العبد لهما. والسبب في ذلك « لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ» (سورة الأنفال، 8 / 42).

يمكن للعباد أن يختاروا الخير أو الشر حين يكونون بعيدين عن أيِّ ضغوط خارجية. وكل ما قلنا إلى هنا ملخصٌ في الآية المذكورة سابقا وهو قوله تعالى: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» (سورة  القصص، 28 / 68).

وبهذا قد تبين معنى فعل”شاء” بشكل واضح.

خلق الله للشيء

وقد قلنا إن الفعل “شاء” إذا كان فاعله لفظ الجلالة “الله” كان معناه اختار وخلق. وقد نجد هذا المعنى في بعض كتب التفاسير. قال زمخشري: شيَّأَ الله تعالى خَلَقَه.[8]

وقد بيّن الله تعالى كيفية خلقه في هذه الآية قال الله تعالى: «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» )سورة يس، 36 / 82). وقد فسرت هذه الآية في الجلالين على النحو التالي: «إنَّمَا أَمْره» شَأْنه «إذَا أَرَادَ شَيْئًا» أَيْ خَلْق شَيْء «أَنْ يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون».[9]

والتنوين في “شيئا” عوض عن المضاف إليه، يعني شيء شيئٍ. الأول مصدر والثاني اسم، بمعنى خلق شيء. ولذا فسرها جلال الدين بـ “خلق شيء”.

وكلمة “كن” في الآية، ليس فعلا ناقصا بل هو فعل تام،[10] والفاعل فيه الشيء. وكذلك “فيكون” فعل تام، وعلى هذا فيكون معنى قوله تعالى: «إِذَا أَرَادَ شَيْئاً» إذا أراد إحداث شيء.

والمعنى أن الله تعالى إذا أحكم أمرا وحتمه فإنما يقول له كن فيكون ذلك الأمر على ما أراد الله تعالى وجوده.[11] لأن “كن” الذي هو فعل تام يعني تكون أو أحدث. وعلى هذا فإن كلمة “شيء” هي مصدر من شَيَأَ أي إحداث وتكوين شيء.

وغاية الكلام فيه أن الله تعالى إذا أراد خلق شيء يقول له كن أي يأمره أن يتكون ويحدث فيدخل في حيز التكون.

خلق الإنسان للشيء

 والشروط اللازمة لأن يخلق الإنسان شيئا هو السعي وبذل الجهد. قال الله تعالى: «وأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى» (سورة النجم، 53 / 39).

والسعي شرط كذلك في إجابة الدعاء كما قال الله تعالى: « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ» (سورة البقرة، 2 / 200-202).

وهذا يعنى أن الله تعالى لا يستجيب دعاء من لم يسع ويبذل الجهد. قال الله تعالى: «وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا» (سورة الاسراء، 17 / 19). وقال أيضا: «وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ» (سورة آل عمران، 3 / 145).

لا يعرف ما يكمن الشخص في قلبه من النوايا إلا الله, قال الله تعالى: « أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» (سورة هود، 11 / 5).

وإلى هنا ينتهي إختيار الإنسان. وإذا أراد الله تعالى خلق شيء أمر كتابته ثم تكوينه. ولا يتحقق إيجاد الشيء من الإنسان إلا بعد أمر الله تعالى أي بعد كتابته وإيجاده تعالى لهذا الشيء. قال الله تعالى: « مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا[12] إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» (سورة الحديد، 57 / 22).

لا يصيب الإنسانَ شيئٌ إلا وهو مكتوب. كما أخبرنا الله تعالى بقوله: « قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (سورة التوبة، 9 / 51).

وفكرة كتابة الأشياء التي ستوجد لا أصل لها، إلا نظرات فلسفية لا تسمن ولا تغني من جوع. والكتابة مستمرة لا تتوقف. قال الله تعالى: «وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ» (سورة الأعراف، 7 / 156). وإذا كانت الكتابة قد تمت في الأزل كما يزعم البعض فلم جاء مثل هذه الآية؟!.

وخلق الإنسان للشيء يتم بثلاث مراحل. الأولى: الإرادة أي نية الإنسان في إيجاد شيء. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى”.[13] الثانية: السعي بحسب الإرادة. والثالثة: خلق الله تعالى ذلك الشيء. أي أن العبد كاسب لفعله والله تعالى خالق له. وقد أخبر الله تعالى عنه بقوله: « وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» (سورة التكوير، 81 / 29).

فالآية جملة استثنائية وهذا الاستثناء جعل الجملة منفية، وقد بدأت الجملة بأداة النفي “ما” ثم جاءت أداة الاستثناء “إلا”، وحذفت المفعولات؛ وإذا أعدنا المفعولات المحذوفة إلى مكانها تصبح الجملة كالتالي:

وَمَا تَشَاؤُونَ (لا تختارون شَيْئاً) إِلَّا أن يَشَاءه اللَّهُ (إِلَّا أن يختاره ويخلقه) رَبُّ الْعَالَمِينَ.

مراحل تكون الشيء

لا تطلق كلمة “شيء” إلا على موجود. فالأمر من الله تعالى بـ “كن” يكون بعد أن تتم الشروط والمقادير. قال الله تعالى:« أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا» (سورة مريم، 19 / 67).

وقال تعالى: « هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا» (سورة الإنسان، 76 / 1).

المذكور؛ هو ما كان موضوعا للذكر. والذكر هو المعلومات الجاهزة للإستفادة منها.[14] ومعنى قولنا حتى يكون الإنسان مذكورا، يعني حتى يتكون المعلومات المتعلقة له.

وفي ضوء دراستنا حول الآية، يتكون الشيء في مراحل سبعة. الأولى: تكوين القدر. والثانية: الإرادة. والثالثة: الالهام. والرابعة: الموافقة. والخامسة: الكتابة. والسادسة: تكوين الشيء. إعطاء القدرة له. أي مرحلة التقدير.

تكوين قدر الشيء

القدر هو المعيار. إذا أراد الله تعالى أن يخلق شيئا جعل له المعايير أولا. قال الله تعالى: « إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» (سورة القمر، 54 / 49) وقال تعالى: « وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا» (سورة الأحزاب، 33 / 38). وقال أيضا: «إن الله على كل شيء قدير» (سورة البقرة، 2 / 20). يخلق الله تعالى كل شيء على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة، لا يعتريه الزيادة والنقصان.[15]

وقدر الإنسان يختلف عن قدر الأشياء والحيوانات. وحين قال الله تعالى: للسماء  والأرض “ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا” قالتا “أَتَيْنَا طَائِعِينَ”.[16] وما كان لهما حق المخالفة في طاعة أمر الله تعالى.   هذا في حق الجمادات غير العاقلة. أما الإنسان العاقل فيختلف عنها تماما حيث قال الله تعالى في حقه:

« إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» (سورة الإنسان، 76 / 3).

إذا أراد الإنسان مخالفة أمر الله تعالى فإنه يستطيع ذلك. لذا لم يكن في الدين إكراه. قال الله تعالى:

«لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» سورة البقرة، 2 / 256).

وكلمتا “شاكرا” و”كفورا” في الآية السابقة من الأهمية بمكان. فـ “شاكر” من “الشكر”، ويعني تذكر النعمة، وتحميد المنعم والمقابلة بالثناء.[17]

الإنسان مدين لله في كل شيء. قال الله تعالى: « وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا» (سورة إبراهيم، 14 / 34).

ومن أجل تلك النعم فالإنسان مدين لله تعالى. وفي اللغة العربية يُعبَّر عن القرض بالدَّين. فالدَّين يجبر الإنسان للطاعة. لذا قيل عن النظام الذي يجعل الإنسان مطيعا لله مقابل ما أعطاه من النعم دِينًا. فالدَّين والدِّين من أصل واحد.

وعلى الرغم من الارتفاع المستمر في ديون الله تعالى على العباد إلا أن كثيرا من الناس يتجاهلون ذلك ويعصون أوامره. ويُطلق على من يتجاهل كفور، وهي من الكفر، ومنها كافر. وكفر النعمة وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها.[18] هذا هو الكفر. وأكبره الكفر بالله تعالى. وكثير من الناس لا يعرف قيمة النعم التي أنعم الله بها عليهم، بل يحاولون القيام بما يفسد النظام الذي أقامه الله تعالى. ولا شك أنه من يفعل ذلك يحاسب يوم القيامة. قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (سورة فصلت، 41 / 40).

فالله مقدرٌ كلَّ شيء خالقه. أما الإنسان فقدرته محدودة. فإن حصل أن توافقت الأشياء التي يخلقها الإنسان مع إرادة الله تعالى كان ذلك حسنا وإلا كان شرا. فهو أي الإنسان يملك من الإرادة والإستطاعة ما يمكنه من القيام بالأعمال المتضادة من الشر والخير؛ كبناء الحضارات وهدمها، وإشعال الحرب المدمرة والصلح، وإصلاح البيئة وإفسادها. قال الله تعالى: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ» (سورة البقرة، 2 / 253).

وقال تعالى: «وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (سورة المائدة، 5 / 48).

وقال تعالى: « وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ» (سورة الأنعام، 6 / 35)

«وَلَوْشَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ» (سورة الأنعام، 6 / 107)

«وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ» (سورة الشورى، 42 / 8).

كل إنسان يود أن يظهر عبوديته لله تعالى حتى إذا خالفت أوامر الله هواه فإنه يعصي. والذي يستحب عبودية الله على هواه فإنه يخلق الإيمان في قلبه. والذي يستحب الحياة الدنيا، فإنه يتلقى إنذارا من الله تعالى بأنه على خطأ؛ فهو يشعر به ويعرف يقينا أنه إنذار من الله، ومن الممكن أن يكون الإنذار من واحد الناس. قال الله تعالى: « وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ». (سورة التوبة، 8 / 115).

وإذا استمر الإنسان في استحباب هواه على علم فإن الله تعالى يأذن بذلك؛ أي يخلق الله تعالى الضلالة في قلبه حسب ما أراد الإنسان. ويحاول كثير من الضالين إخفاء ضلالهم بتطويع الدين إلى ما يحلو لهم ويوافق هواهم. لكن الله تعالى يحذر هؤلاء بقوله: «… وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ . الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ» (سورة إبراهيم، / 14 / 2-3).

والبعض يفكر بعقله ويستحب أوامر الله على كل ما سواها من المصالح الدنيوية. والبعض الآخر يظهر عبادته لله تعالى حين تدلهمُّ عليه الخطوب وتصيبه المصائب، حتى إذا انفرج عنه الكرب وزال عنه الخطب عاد إلى استحباب هواه على أوامر الله تعالى. قال الله تعالى: «ومَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (سورة الأنعام، 6 / 91).

الإرادة

كلمة “إرادة” من رود. والرود هو الانتقال بين نقطة ما والهدف. وهو ما يفعله الرائد الذي يُرْسَل في التماس النُّجْعَة. وهو يلتمس أجمل المنازل. ويقال بعثنا رائداً يرود لنا الكلأَ والمنزل.[19]

في الإنسان ملكة تتكون بها طلباته وقراراته، وهي ترتاد مثل الرائد. وعلى هذا فبداية الإرادة هو الطلب ونهايتها القرار. وقد وردت الإرادة بمعنى الطلب في قوله تعالى: «وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا» (سورة النساء، 4 / 27).

“الإرادة” بمعنى الطلب، والطلب قد لا يتحقق. فمثلا؛ الله تعالى يريد أن يتوب الناس جميعا، ولكن الكثير منهم لا يتوبون. وكذلك أصحاب الزيغ يريدون أن يضل الناس ويسعون لذلك بشدة، ولكن لا يستطيعون أن يضلوا إلا من اتبعهم من الغاوين.

والله قادر على أن يحقق إرادته التي تعنى إصدار قراره أو قضائه. كما أخبر عن ذلك بقوله: «إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ» (سورة هود، 11 / 107). كما أن إرادته بهذا المعنى تتحقق بقوله “كن” قال الله تعالى: «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون» (سورة النحل، 16 / 40).

وقد تأتي الإرادة من الإنسان بمعنى العزم وإصدار القرار. ولا تتحقق إرادة الإنسان إلا بإذن من الله تعالى. وعلى سبيل المثال فالأم التي تريد أن ترضع طفلها حولين تحتاج إلى إنشاء الله تعالى ما يمكنها من الإرضاع، وإلا فلن تستطيع أن تحقق إرادتها. لذا جاء قوله تعالى: «فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (سورة آل عمران، 3 / 159). فإذا قرر الإنسان فعل شيء ألهمه الله تعالى أنّ هذا الشيء حسن أو قبيح قبل أن يفعله.

الإلهام

الإلهام هو أن يوقع الله تعالى في قلب العبد شيئاً.[20] قال الله تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا» (سورة الشمس، 91 / 7-8).

وبعد أن يُلهم الله تعالى الإنسان بأن ما اختاره تقوى أو فجور، ويعتزم فعل التقوى أو الفجور، فإنه ينشرح قلب من إختار التقوى ويزيد اطمئنانا، في حين يضيق صدر من إختار الفجور ويزيد انزعاجا ويتعذب ضميره حتى ينشأ عنده أزمة. وقد اشتملت الآية التالية نوعي الإلهام: « فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ» (سورة الأنعام، 6 / 125).

ويستمر ضيق صدر من إختار الفجور إلا أن يتوب. قال الله تعالى: « وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ» (سورة الأنعام، 6 / 42-44).

وقال تعالى: «وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (سورة السجدة، 32 / 21).

والعذاب الأدنى المذكور هو الذي يذوقه المفسدون لينتهوا عن فسادهم. وقد قال الله تعالى في حق من سيهديه: «وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ» (سورة الرعد، 13 / 27). «وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» (سورة آل عمران، 3 / 101).

ولا يهدي الله الكافرين والفاسقين والظالمين والكاذبين والجاحدين نعمه والمسرفين والمنافقين والمنكرين إلا أن يتوبوا إليه. كما دلت على ذلك الآيات التالية؛ قال الله تعالى: «وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (سورة البقرة، 2 / 264؛ سورة المائدة، 5 / 67؛ سورة التوبة، 9 / 37؛ سورة النحل، 16 / 107)، و«وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» » (سورة المائدة، 5 / 108؛ سورة التوبة، 9 / 24، 80؛ سورة الصف، 61 / 5؛ سورة المنفقون، 63 / 6)، و«وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (سورة البقرة، 2 / 258؛ سورة آل عمران، 3 86؛ سورة المائدة، 5 / 51؛ سورة الأنعام، 6 / 144؛ سورو التوبة، 9 / 19؛ سورة القصص، 28 / 50؛ سورة الأحقاف، 46 / 10؛ سورة الصف، 61 / 7؛ سورة الجمعة، 62 / 2)، و(«إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِب كَفَّار ٌ» (سورة الزمر، 39 / 3)، و«إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ» (سورة المؤمن، 40 / 28)، و«إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِم اللّهُ» (سورة النحل، 16 / 104).

وعن وابصة بن معبد الأسدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوابصة “جئت تسأل عن البر والأثم قال قلت نعم قال فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال استفت نفسك استفت قلبك يا وابصة ثلاثا البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وان أفتاك الناس وأفتوك”.[21]

وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة.[22]

وقال الله تعالى في حق المنافقين: «لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (سورة التوبة، 9 / 110).

وبعد أن يمر تكوين الشيء من تلك المراحل، يأذن الله تعالى له ليكون شيئا في الخارج.

الموافقة من الله تعالى

وردت في القرآن الكريم كلمة “الإذن” تعبر عن الموافقة. ومنها الأذن وهي جهاز السمع في الإنسان. وتطلق كلمة الإذن على المعلومات التي تحصل عليها بواسطة الأذن. كما  يقال على الذي يعلن بصوت عال المؤذن. والشيء المعلن الآذان.[23]

ولا يكون شيء إلا بعد إذن الله تعالى له. والإنسان يقرر في نفسه، ولا يعرف ما قرره أحد غيره _إلا الله تعالى_ حتى الملائكة. قال الله تعالى: «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (سورة ق، 50 / 17-18).

وقال تعالى: «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ» (سورة الانفطار، 82 / 10-12).

لا يُكتب إنسان مؤمنا إلا بإذن الله تعالى. لأنّ كلَّ واحد يدّعي أنه مؤمن، يؤمن بالله. ولكن لا يقبل الله تعالى إيمان أحد إلا من شاء. قال الله تعالى: «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (سورة التغابن، 64 / 11).

وقال تعالى: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ» (سورة يونس، 10 / 100).

الكتابة

يصدر الله تعالى إذنه للكاتبين من الملائكة أولا. فيكتبون، ثم يبدأ التكوين. قال الله تعالى: « مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ[24] فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» (سورة الحديد، 57 / 22). وبعد الكتابة يبدأ تكوين الشيء.

تكوين الشيء

وإذا قرر الله تعالى تكوين شيء قال له “كن” فيبدأ الشيء في التكون. والله قادر على أن يخلق كلَّ ما قدَّره. قال الله تعالى: «يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ» (سورة الروم، 30 / 54). «قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذٰلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء» (سورة آل عمران، 3 / 40).

ولا يتكون الشيء إلا بأمر من الله تعالى. ولذا قال الله تعالى: «وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَدًا . إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ» (سورة الكهف، 18 / 23-24).

ولكل تكوين شروط لازمة ليتحقق في الوجود. وعلى سبيل المثال: الذي يرغب في إنتاج العنب، يحتاج إلى التربة الخصبة، والمياه، والكرمة، والأسمدة، والأدوات الزراعية، والمناخ المناسب للزراعة، والمعلومات والمهارات والخبرات المتعلقة بالزراعة. ثم إنه إذا سعى فيه أي بذل الجهود اللازمة يتم انتاج العنب. وحينئذ فله أن يقول: أنا انتجت العنب، كما يمكنه القول: إن الله خلق هذا العنب. لأنه لم يستطع أن ينتج العنب إلا بعد أن وضع الله تعالى تلك القوانين الفطرية وهيأ المناخ والظروف المناسبة. وكذلك حال من يصنع الخمر. فالله أحل العنب وحرم الخمر. إلا أنه لم يجبر الإنسان على إنتاج العنب أو يمنعه من صناعة الخمر. وهكذا أفعال جميع الناس. قال الله تعالى: «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى» (سورة النجم، 53 / 39).

تقدير الشيء

والقدر يدلُّ على مَبْلَغ الشَّيء وكُنهه ونهايته. والتقدير إحداثه أو أعطاء الشَّيء القدرة.[25] وكلمة القدر التي وردت في الآيات وتدل على قدر الشيء بعد خلقه تعني إعطاء الشيء قدرته المحددة. قال الله تعالى: «الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى» (سورة الأعلى، 87 / 1-3).

وكلمة “سوّى” في الآية، جعله متساويا وأتم خلقه. وهو مما يعني أن الله تعالى خلق كل شيء على قدر خاص من جنسه. وعلى سبيل المثال: لا يكون التفاح كمثرى؛ فكلٌ على جنسه. لو زرعت الكمثرى ينتج كمثرى وليس غيره.

وكلمة “القدر” التي تدل على شيء بعد خلقه، تفيد إعطاء القدرة لذلك الشيء. أي أن الله تعالى يعطي قدرة لكل شيء خلقه.

و”فهدى” في الآية الكريمة، بمعنى أنّ الله تعالى بيّن له طريقه الذي يسلك. أي أنّ كلّ شيء يحتاج إلى هداية الله تعالى. قال تعالى: «ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ» (سورة فصلت، 41 / 11).

وقولهما « أَتَيْنَا طَائِعِينَ» مهم للغاية. حيث يدل أنّ لهما شعورا يرى الحقائق. وقد دلَّ على ذلك قوله تعالى: « تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا» (سورة الإسراء، 17 / 44).

الحمد هو الثناء على أحد لفعله الخير. فمعنى “الحمد لله” هو الذي أتقن كل شيء صنعه لا غيره. ليكون المعنى أشمل وأوسع. وهو الطاعة له، وهذا كذلك يدل على أن الأشياء لها شعور. وقد أعطى الله تعالى للإنسان القدرة التي يتميز بها عن غيره وهو في بطن أمه حيث تمّ تسويته وأصبح خلقا يختلف عن غيره من الحيوانات. قال الله تعالى: «مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ» (سورة عبس، 80 / 19).

وبعد نفخ الروح فيه يكون خلقا آخر. قال الله تعالى: «ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ» (سورة السجدة، 32 / 9).

والخصائص التي يتميز بها الإنسان عن غيره تُعطى له وهو في بطن أمه. ويعطى له في هذه المرحلة الأذن وهي جهاز يمكنه من سماع الأصوات ليحصل بها على العلوم، والعين يرى بها ويتدبر خلفية الأحداث والقلب هو مكان المحبة والكره والإيمان والكفر حيث يصدر منه جميع القررات. قال الله تعالى: «مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ . مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ» (سورة عبس، 80 / 18-19).

المشيئة

فعل “شاء” مهم للغاية لأنه ورد في الآيات التي تتحدث عما خلق الله تعالى من الأشياء التي ترتبط بالامتحان وما يختاره المكلفون من الأعمال الاختبارية. وما جرى على “شاء” من التحريف المدمر أوقع العالم الإسلامي في الظلمات عبر العصور. وإليك بيان كيف جرى هذا التحريف:

وقد جاؤوا من “شاء” ومصدره “شيء”، بمصدر ميمي (مشيئة) وهو شاذ على وزن مَفْعِلة.[26] وفي الأصل أن يكون معنى مشيئة هو معنى شيء. ولكن وضع المتكلمون لكلمة “مشيئة” – التي لم ترد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ولم يكن العرب يعرفونها من قبل – معنى آخر وهو الإرادة. يقول الراغب الاصفهاني: والمشيئة عند أكثر المتكلمين كالإرادة سواء.[27]  وقول المتكلمين هذا، مثير للدهشة. لأنه لا يلزم بإرادة الله تحق شيء؛ أما مشيئته فتوجب التحقق. قال الله تعالى في إرادته: «يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (سورة النساء، 4 / 26).

ومن المعلوم أن هذه الإرادة من الله تعالى لم تتحقق؛ حيث لم يهتد كثير من الناس ولم يتوبوا من أخطائهم.

وقال تعالى في مشيئته: «وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» (سورة النحل، 16 / 9).

وقد أراد الله تعالى أن يهتدي جميع الناس ولكن لم يشأ ذلك أي لم يجبرهم على الهداية. لأن الاجبار يخالف مبدأ الامتحان، فأعطاهم الله حرية الإختيار في أفعالهم. قال الله تعالى: «وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ» (سورة يونس، 10 / 99).

نفهم من الآية أن المشيئة تأتي بمعنى الاكراه. على عكس الإرادة فليس فيها الاكراه. ومن الممكن أن تكون إرادة الإنسان مخالفة لإرادة الله تعالى. قال الله تعالى: «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا» (سورة النساء، 4 / 27).

ولكن يستحيل أن تكون هناك مشيئة مخالفة لمشيئة الله تعالى. قال الله تعالى: «إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا» (سورة الإنسان، 76 / 29-30).

كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.[28]

وتلك الايات وهذا الحديث تدل على وجود الفرق بين الإرادة والمشيئة دلالة واضحة؛ ولكن زعم البعض أن المشيئة بمعنى الإرادة.

ولم يقل الإمام الماتريدي في تفسيره “تأويلات القرآن” وهو من أقدم التفاسير أن المشيئة بمعنى الإرادة. وتفسيره للآية الرابعة من سورة إبراهيم على النحو التالي: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء (يضل اللَّه من آثر سبب الضلال، ويهدي من آثر سبب الذي به يهتدي؛ يهديه ذلك) وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.[29]

وقد فسر الإمام فعل “شاء” في هذه الآية بـ “آثر”. كما فسر “شاء” بـ “آثر” في قوله تعالى: «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ. قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» (سورة الأنعام، 6 / 148-149).

قال الماتريدي: والمعتزلة يقولون: المشيئة -هاهنا- مشيئة قسر وقهر.[30] وعلى هذا فيكون معنى الآية: يقول المشركون لو ما أن الله قهرنا على الشرك ما أشركنا نحن ولا آباؤنا؛ كذلك كذب الذين من قبلهم. قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا. إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون. قل فلله الحجة البالغة فلو قهركم الله لهداكم أجمعين…

وذكر الإمام الماتريدي عن الحسن، والأصم قولهما: إن المشيئة – هاهنا -: الرضا؛ وعلى هذا فإن المشركين قالوا: رضي الله بفعلنا وصنيعنا، حيث فعل آباؤنا مثل ما فعلنا، وصنعوا مثل ما صنعنا، فلم يحل الله بينهم وبين ذلك، ولا أخذ على أيديهم، ولا منعهم عن ذلك، فلو لم يرض بذلك منهم لكان يحول ذلك عنهم ويمنعهم عنه…

كما ذكر الإمام الماتريدي كلام من قال إن المشيئة بمعنى الأمر والدعاء إلى ذلك؛ يقولون: إن الله أمرهم بذلك، ودعاهم إلى ذلك…

ويقول الإمام الماتريدي أيضا: إن المشركين كانوا يقولون ذلك على الاستهزاء والسخرية، لا على الحقيقة، وهكذا أمر المجوس أنهم إذا قيل لهم هذا: لم لا تؤمنون وتسلمون؟ يقولون ما قال هؤلاء: لو شاء الله لآمنا ولا أشركنا؛ فهذا العتاب الذي لحقهم والوعيد الذي أوعدهم إنما كان لما قالوا ذلك استهزاء منهم، أو لما ادعوا من الأمر والدعاء على الله وافتروا عليه، أو الرضا أنه رضي بذلك.[31]

ولم نعثر على من فسر المشيئة بالإرادة من المفسرين إلا في عهد الإمام الماتريدي. وفيه أصبح تفسير المشيئة بالإرادة معروفا كما قال الإمام الماتريدي. وقال نور الدين الصابوني وهو من المتكلمين الماتريديين ” لا فرق بين المشيئة و الإرادة عند أهل السنة.[32] وهكذا لم يكف المتكلمون الذين يزعمون أنه على طريق الإمام الماتريدي عن مخالفتهم إمامهم بل أخرجوه من أهل السنة والجماعة.

 وقد تبعهم بذلك بعض اللغويين المتكلمين مع علمهم أنّ طريقهم خطأ. ومنهم الزبيدي حيث نقل عن الجوهريّ قوله إن المَشِيئَة: الإرادة. ثم قال وأَكثرُ المتكلِّمين لم يُفرِّقوا بينهما وإن كانتا في الأَصل مُختلِفَتَيْنِ فإنَّ المَشِيئَة في اللُّغة: الإيجاد والإرادة: طَلَبٌ.[33]

فكيف يمكن القول إن الكلمة التي تعني الإيجاد في اللغة أنها بمعنى الطلب؟. ولم يكتف الزبيدي بهذا بل حاول إيجاد المبرر لمن جعل المصدر الميمي (المشيئة) مصدرا حقيقيا لفعل “شاء”. كما قال: شيأ : (شِئْتُه ) أَي الشيءَ (أَشَاؤُه شَيْأً ومَشِيئَةً) كخَطِيئَة (وَمَشَاءَةً) كَكَراهة (ومشَائِيَةً) كعَلانِية : (أَردْتُه).[34]

وقد زعم الزبيدي هنا أن المشيئة على وزن خطيئة. وهذا خطأ لا يتصور أن يصدر من عالم اللغة. لأن “مشيئة” على وزن “مفاعلة” والميم فيها زائدة لحقت في آخر الكلمة. أما “الخطيئة” مصدر أصلي على وزن فعيلة،[35] ولا زائدة فيها. وكذلك أخطأ حين زعم أن كلمة “مشائة” على وزن كراهة و”مشائية” على وزن علانية وهما كلمتان لم تردا أيضا في المعاجم مصدرين من فعل شاء. كما لم ير الياء الزائدة وتاء التأنيث في علانية، حيث الزوائد التي لا تكون في المصادر الأصلية.

وقد يكون السبب فيما ذهب إليه الزبيدي محاولته في أن يجعل ما قاله الفيروز آبادي مشروعا؛ حيث قال: “شِئْتُهُ أشَاؤُهُ شَيْئاً ومَشِيئَةً ومَشَاءَةً ومَشَائِيَةً: أرَدْتُهُ”.[36]

وقد ترك معنى المشيئة الحقيقي وهو إيجاد شيء كما رأينا فيما سبق، ثم قيل إنها بمعنى الإرادة. ولم يكتف بذلك بل قيل إن المشيئة مصدر أصلي من فعل “شاء” وبالتالي أصبح “شاء” بمعنى أراد. وقد سلك هذا الطريق الجوهري وهو من اللغويين القدماء؛ حيث قال: والمشيئة: الارادة، وقد شئت الشئ أشاؤه. [37]

وقد توفي الجوهري بعد الإمام الماتريدي بستين سنة. ومما يدعو إلى الدهشة هو أن الكلمة قد اعتراها تغيير جذري في معناها اللغوي خلال هذه المدة القصيرة خلافا للقواعد اللغوية. ويقول الراغب الاصفهاني الذي مات بعد الجوهري بعشرين سنة أن المشيئة عند أكثر المتكلمين الإرادة. وهذا يدل أن ما كتبه الجهوري في معنى المشيئة كان بتأثير المتكلمين.

فمنذ ذلك الوقت تورد جميع المعاجم اللغوية أن شاء بمعنى أراد. كما هو الحال في التفاسير. قال اللغوي الشهير إن منظور: “شيأ: الـمَشِيئةُ: الإِرادة. شِئْتُ الشيءَ أَشاؤُه شَيئاً ومَشِيئةً ومَشاءة ومَشايةً: أَرَدْتُه”[38]  كما قال إن المَشيئة مصدرُ شاءَ يَشاءُ مَشيئَةً.[39]

وهذا التغيير العجيب والمدهش في “شاء”، أدى إلى عدم فهم الآيات التي وردت فيها كلمة شاء. ننظر إلى الآيتين التاليتين من سورة الأنعام، قال الله تعالى: «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ؛ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» (سورة الأنعام، 6 / 148-149)…

سيقول هؤلاء المشركون، اعتذارا عن شركهم، لو شاء الله ألا نشرك به، ولا يشرك آباؤنا من قبلنا، لما أشركنا، ولما أشركوا، ولو شاء الله ألا نحرم شيئا من الحرث والأنعام وغيرها، لما حرمنا، ولكنه شاء أن نشرك به الأولياء والشفعاء، وشاء أن نحرم ما حرمنا من البحائر والسوائب وغيرها فحرمناها، فإتياننا بها دليل على مشيئة الله تعالى، وعلى رضاه بها.

وكما كذب المشركون كذلك كذب من كان قبلهم تكذيبا غير مبني على أساس من العلم. حتى ذاقوا بأسنا. ولو كان الله راضيا عن أفعالهم لما عاقبهم عليها، كذلك لو كانت أعمالهم صادرة عنهم جبرا، لما استحقوا العقاب عليها، ولما قال الله تعالى : إنه أخذهم بذنوبهم، وأهلكهم بظلمهم . واسألهم يا محمد : هل عندهم علم يعتمدون عليه فيما يقولون ويحتجون؟ فإن كان عندهم مستند صحيح على أن الله رضي لهم الشرك، والتحليل والتحريم، فليظهروه. ثم يقول تعالى: إنكم لستم على شيء من العلم الصحيح، بل تتبعون في عقائدكم وآرائكم الحدس والتخمين الذي لا يستقر عنده حكم.

«قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ» أي: له الحكمة التامة، والحجة البالغة في هداية من هَدى، وإضلال من أضل، «فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» وكل ذلك بقدرته ومشيئته واختياره، وهو مع ذلك يرضى عن المؤمنين ويُبْغض الكافرين.

وعلى هذا التفسير فقد توافق قول الله تعالى مع قول المشركين؛ مع أنه تعالى ذمّهم على قولهم… ونضع أحد القولين تحت الآخر حتى يسهل لنا الفهم:

قول المشركين: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا…

قول الله: فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ…

وقد تشابه القولان بسبب مثل هذا التفسير الخاطئ الذي جعل الآيتين متضادين، وهو مما يثير الارتباك في الأذهان. وقد أدخل المتكلمون هذا التفسير الخاطئ في العقائد عبر مسألة القدر. وقد انزلق المسلمون تبعا لذلك في مستنقع ليس من السهل الخروج منها.

القدر

القدر في القرآن الكريم، يعني تلك المقاييس والمقادير. والله تعالى هو الذي وضع مقياس كل شيء، وهو سبحانه يثيب أو يعذب بحسب هذه المقادير. قال الإمام الماتريدي: وأما القدر فهو على وجهين. أحدهما الحد الذي عليه يخرج الشيء وهو جعل كل شيء على ما هو عليه من خير أو شر، من حسن أو قبح، من حكمة أو سفه وهو تأويل الحكمة أن يجعل كل شيء على ما هو عليه ويصيب في كل شيئ الأولى به وعلى مثل هذا قوله تعالى : ” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” (القمر، 54 / 49).

والثاني بيان ما عليه يقع كل شيء من زمان ومكان، وحق وباطل ، وما له من الثواب والعقاب وعلى مثل أحد هذين المروي عن رسول الله عند سؤال جبريل عليه السلام إياه عن الإيمان أنه قرن ما ذكرنا بالقدر: خيره وشره من الله.[40]

وكان فهم الإمام الماتريدي للقدر صحيحا لأن تفسيره لفعل “شاء” كان صحيحا. ولكن المتكلمين الذين غيروا معنى شاء قد غيروا معنى القدر أيضا…

ومنهم الطحاوي حيث قال في القدر ما يلي: ولا يكون إلا ما يريد… وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ، ولا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا، وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله.[41]

وقال أيضا: أصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه كما قال الله تعالى في كتابه : «لا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون» فمن سأل : لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.[42]

وهو كلام لا يمكن توضيحه بآية أو عقل. لذا استدل الطحاوي بآية لا علاقة لها بالموضوع أصلا؛ وزعم أن إعمال العقل يؤدي إلى الكفر بالرغم من إخبار الله تعالى أنه يجعل رجس الكفر على من لا يستعمل عقله؛ حيث قال: « وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ» (سورة يونس، 10 99-100).

لا يعرف إيمان أحد إلا الله لأن الإيمان محله القلب، ولا يطلع على ما فيه إلا هو سبحانه. قال الله تعالى: «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (سور القصص، 28 / 58).

المهتدي هو الذي اهتدى أي دخل الطريق الصحيح. والهداية تتحقق بما في القلب من الإيمان حيث لا يعرفه أحد إلا الله تعالى، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم حقيقة قلوب الناس ومن الممكن أن يعتبر المنافق مؤمنا. وعلى هذا فإن الإنسان يهتدي أولا ثم يُقبل عند الله مهتديا.

ومن الواضح أن ما استدل به الطحاوي من الآيات لا علاقة له بالموضوع. كما أن القول لماذا فعلت كان يعدُّ كفرا، لكان الملائكة أولى بذلك لأنهم وجهوا السؤال إلى الله تعالى حين أخبرهم بقوله” إني جاعل في الأرض خليفة. قال الله تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً[43] قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» (سورة البقرة، 2 / 30).[44]

ومنشأ الخلاف العميق بين الطحاوي والماتريدي المتكلمان المتعاصران من متكلمي أهل السنة، هو التفسير الخاطئ لكلمة “مشيئة”. كما نفهم ذلك من التفسيرات لقوله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (سورة النحل، 16 / 93).

فمعنى الآية قبل أن يعتري التحريف في معنى كلمة “شاء” على النحوي التالي: فلو اختار الله – سبحانه وتعالى – لجعل الناس متفقين على الهدى، ليس فيهم عاص، ولكن الله – سبحانه وتعالى – أعطى الإنسان حرية الاختيار، وبين له طريق الخير والشر، فمن سلك طريق الشر فسوف يعاقب على ما فعل؛ لأنه اختياره، ومن اختار طريق الخير فسوف يكافأ على إحسانه؛ لأنه اختياره…

أما تفسير الآية بعد أن اعترى التحريف معنى كلمة “شاء” كالتالي: لَوْ أراد اللَّهُ تعالى لجمع الناس على الهدى وجعلهم أُمَّةً وَاحِدَةً ولكنه تعالى المنفرد بالهداية والإضلال، وهدايته وإضلاله من أفعاله التابعة لعلمه وحكمته، يعطي الهداية من يستحقها فضلا ويمنعها عمّن لا يستحقها عدلا.

وقد أخذ الماتريديون قسطهم من هذا التحريف حيث قارب فهمهم للقدر فهم الطحاوي. كما قال فيه عمر نصوحي بلمن: إن الله – تبارك وتعالى – قدر الأشياء في القدم، وعلم – سبحانه – أنها ستقع في أوقات معلومة عنده – سبحانه وتعالى – وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى في الأزل. فكل ما قدره الله وجب الوقوع، وما لم يقدر لا يقع. وعلى هذا نؤمن بقدر الله وقضائه ونرضى بهما.[45]

فأصبح معنى القدر عند أهل السنة أن أفعال الإنسان تم تقديرها أو عُلِمت من قبل،  فكل ما يصدر من الإنسان هو حسب القدر، وفق علم الله السابق… وإذا صح هذا القول فهل يبقى للإمتحان معنى؟ مع أن الله تعالى يخبرنا أنه خلق البشر للإمتحان حيث قال: «تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ» (سورة الملك، 67 / 1-2).

وقال أيضا: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (سورة المائدة، 5 / 48). وقال: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ» (سورة الأنعام، 6 / 165).

الإمتحان

وقد فقد المسلمون طريقة التفكير الصحيح بسبب فهمهم الخاطئ للقدر الذي سلب من الإنسان حريته مع أن الله تعالى يقول إنه أقام نظام الحياة الدنيا على أساس الإمتحان. فالمسلمون يزعمون خلاف ما أخبرنا ربنا سبحانه. وإليكم تفصيل مدى مخالفة آراء المسلمين مع المنهج القرآني بدراسة آية من القرآن الكريم وهي قوله تعالى: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا َيَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» (سورة البقرة، 2 / 124).

يقول فخر الدين الرازي عند تفسير هذه الآية، إنه لا يجوز لله تعالى أن يمتحن عبادة… وإليك نص كلامه: أنه تعالى وصف تكليفه إياه ببلوى توسعاً لأن مثل هذا يكون منا على جهة البلوى والتجربة والمحنة من حيث لا يعرف ما يكون ممن يأمره ، فلما كثر ذلك في العرف بيننا جاز أن يصف الله تعالى أمره ونهيه بذلك مجازاً لأنه تعالى لا يجوز عليه الاختبار والامتحان لأنه تعالى عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها على سبيل التفصيل من الأزل إلى الأبد.[46]

فلا شك أن الله تعالى يعلم ما خلقه وما سيخلقه. ولكنه لم يخلق أو لم يقدر ما سيقوم به العباد من الأفعال؛ وذلك ليتحقق الامتحان. لذا قال الله تعالى: « هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا . إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا؛ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا؛ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا؛ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا» (سورة الإنسان، 76 / 1).

وقال أيضا: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ؛ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ؛ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (سورة البقرة، 2 / 155-157).

وبالرغم من أن الله تعالى أقام نظامه على الاختبار إلا أن فخر الدين الرازي يقول إن الابتلاء هنا مجاز وليس حقيقة، ولم يتكلف الإتيان بدليل يؤيد قوله هذا.

بينا سابقا أن القدر هو المعيار والمقياس. وقد أعطى الله تعالى لكل شيء معيارا خاصا. ولا يعني هذا أنه تعالى حدد جميع ما يقوم به العبد. لأن التحديد يختلف تماما عن إعطاء القدر / المعيار للأشياء. قال أبو جعفر الطبري _ وهو ممن لم يتأثر من التغيير الذي اعترى فعل “شاء”_ في إبتلاء الله تعالى إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة، 2 / 124 ما يلي:

وكان اختبار الله تعالى لإبراهيم، اختبارا بفرائض فرضها عليه، وأمرا أمره به. وذلك هو “الكلمات” التي أوحاهن إليه، وكلفه العمل بهن، امتحانا منه له واختبارا.[47] وكون الطبري يكتب في تفسيره كل ما بلغ من الآراء،[48] يشير إلى أن الآراء المتعلقة بالابتلاء قد ظهرت بعد عصر الصحابة.

والإمام الماتريدي الذي توفي بعد الطبري بـ 23 سنة يفسر فعل شاء على شكل صحيح ولكنه في نفس الوقت لا يقبل أن الله تعالى قد ابتلى إبراهيم. حيث قال: الابتلاء والامتحان في الشاهد: استفادة علم خَفِيَ عليه من الممتحن والمبتلى به، ليقع عنه علم ما كان ملتبسًا عليه.

وفي الغائب لا يحتمل ذلك؛ إِذ اللَّه – عَزَّ وَجَلَّ – عالم في الأَزل بما كان، وبما يكون في أَوقاته أبدًا. والابتلاء منه تعالى يخرج مخرج الأَمر بالشيء أَو النهي عنه، لكن الذي ذكر يظهر بالأمر والنهي؛ فسمى ابتلاء من اللَّه تعالى.[49]

ومن الغريب وجود هذا الكلام في التأويلات مع أن الإمام الماتريدي هو ممن فسر فعل  “شاء” على شكل صحيح. وهو أن اختيار الله تعالى لفعل العبد يكون حسب إختيار العبد لفعله.

الزعم القائل أن الله تعالى خالٍ عن الزمن والمكان

القول بأن الله تعالى لا يختبر عباده مع وجود آيات كثيرة تدل على عكسه ليس بصحيح؛ لذا حاول البعض ممن يؤمن بالقدر أن يجدوا مبررا ليدافعوا عن مزاعمهم قائلين بإن علم الله تعالى لفعل العباد في الأزل لا تأثير له في الإختبار. فهم يرون أن الماضي والآتي بالنسبة لله تعالى كالحاضر. فالله يعلم ما يختاره العبد بإرادته الحرة وكذلك المكان والزمان الذين يصدر فيهما الفعل من العبد بعلمه الذي لا حدود له والمطلق عن الزمان والمكان. وإذا حان الوقت يخلق الله بإرادته ما يختاره العبد. وعلى هذا فعلم الله تعالى بالشيء في الأزل لا يعني جبر العبد في أفعاله لأنه تابع لإرادة العبد. فأفعال العبد لم تصدر منه لكونها معلومة عند الله تعالى.

  ونعرف من القرآن الكريم عدم وجود الظاهرة الزمنية. وقد أطلق في القرآن الكريم مفهوم الزمن للدلالة على الترتيب بين ما وقع وما هو منتظر وقوعه. لذا ورد استعمال الله تعالى لأفعاله بصيغة الماضي والحاضر والمستقبل على حد سواء.

والقبول بأن الزمن مخلوق لا يغير شيئا. لأنه لا علاقة بين كون الزمن مخلوقا وبين ما يصدر من الإنسان – الذي لم يخلق بعد – من الأفعال في زمنها الخاص معلوما مسبقا. وبالعكس يستلزم أن يكون الإنسان مصنوعا آليا. ولا يمكن ربط الآيات التي تدل على اختبار الله تعالى عباده بعقيدة القدر استنادا على هذا المنطق؛ لأن إختبار المصنوع الآلي إختبار لصانعه. وهذا يدل على أن القول “إن الماضي والمستقبل بالنسبة لله تعالى سواء” يخالف الآيات المتعلقة بالاختبار. ومن أجل ذلك قام القدريون بتأويل الآيات التي تدل على أن الله تعالى لا يعلم نتائج الامتحان. ومثال ذلك ما قيل في تأويل قوله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ» (سورة محمد، 47 / 31)…

قال الإمام الماتريدي – الذي يرى استحالة اختبار العباد من الله تعالى – أن قوله تعالى “حتى نعلم” يخرج على ثلاثة وجوه:

أحدها: أي: حتى يعلم أولياؤه المجاهدين منكم والصابرين من غير المجاهدين وغير الصابرين، فيكون المراد من إضافة العلم إلى نفسه علم أوليائه…

ولا أدري كيف يسوغ للمسلم أن يقول مثل هذا الكلام؟ هل هناك مقام الولاية بين الله وعباده، فيمتحن الله عباده ليعلم أولياؤه؟ أليس هذا شركا؟ ثم أليس من الجدير أن يكون المجاهدون والصابرون من أوليائه؟

والثاني: يكون المراد بالعلم: المعلوم، وذلك جائز في اللسان واللغة؛ كقول الناس: الصلاة أمر اللَّه: أي: مأمور اللَّه، وكقوله – عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)، أي: الموقن به، وقوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ)، أي: بالمؤمن به، ونحو ذلك كثير…

وهذا الكلام لا يمكن قبوله أيضا. لأن كلمة “الأمر” مصدر لا يرتبط بالزمن.أما قوله تعالى: “حتى نعلم” يدل على المستقبل؛ فلا يمكن تجريده في اللغة العربية عن الزمن المستقبل.

والثالث: أي: يعلم كائنًا ما قد علمه أنه سيكون…[50]

وهذا الكلام لا يمكن فهمه أصلا. وهل يختبر الله تعالى نفسه؟ حتى يحتاج إلى معرفة كائن ما قد علمه أنه سيكون؟

والذي يحاول أن يجعل مسألة القدر أصلا من أصول الإيمان، لا يستند على أي دليل، ومن قال به دخل في طريق مسدود، لذا بدأ يحبث عن مخرج فقال: “القدر سر إختص به الله تعالى نفسه”.

والخطأ الذي أقحمه هذا الطريق المسدود هو القيام بتعريف الله تعالى حسب الهوى. بالرغم أن الله تعالى عرف نفسه في كتابه العزيز فقال: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (سورة الشورى، 42 / 11).

فالله تعالى لا مثيل له ولا نظير. وعلى هذا نحن لا نستطيع أن نستوعبه كما نستوعب الأشياء التي نراها. فليس من واجبنا أن نقوم بتعريفه تعالى حسب الأهواء فنحرف الآيات، بل علينا أن نتبع آياته. قال الله تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ، كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ» (سورة الأنعام، 6 / 103-107).

كلمة بصيرة تعني الملكة التي يستطيع الإنسان بها أن يرى الحقائق كما هي بعيدا عن التشويش والخلط. ما دام الله تعالى لم يخلق فينا هذه القدرة فعلينا أن نترك الكلام في حق الله تعالى حسب الأهواء. فكل يعرف “أن ليس للإنسان إلا ما سعى” (سورة النجم، 53 / 39). فلا يمكن لأحد أن يعرف الله تعالى مجردا عن المكان والزمن لو لم يكن هناك أقوال العلماء المضللة. كما لا يوجد في القرآن الكريم آية تدل على أن الله تعالى مجرد عن المكان والزمان. بل عكس ذلك حيث يوجد آيات كثيرة تدل على أنه تعالى مرتبط بالمكان والزمان.

والذي أحدث في الإسلام ما يسمى “الإيمان بالقدر” حقق نجاحا في عمله بالتلاعب في معنى الكلمة. ومن أهم الأعمال التي تحققت في تحريف الكلمات تمثل في تفسير كلمة “المشيئة” بـ “الإرادة”. وبهذا أصبح العالم الإسلامي لا يتصور أن يتخلص من سيطرة القدر ويملك القدرة على التفكير الحر، ويخرج من كونه مصدرا للمشاكل إلى أن يكون مرجعا في حل المشاكل…

خداع الناس باسم الله

وقد أُعتُبِر القدر أنه تخطيط من الله تعالى لما سيحدث في المستقبل، ولكن بدون أن يُستند على دليل. وقد أدّى ذلك إلى أنّ كون نظام الله تعالى في هذا الكون مبنيٌّ على الابتلاء لا يعني شيئا؛ لأن أفعال الإنسان تعتبر جزءا من هذا التخطيط.

الماضي والمستقبل كالحاضر بالنسبة لله تعالى. والقول بأن “الله يعلم ما يختاره العبد بإرادته الحرة والمكان والزمان الذين يصدر فيهما الفعل من العبد بعلمه الذي لا يحده زمان ولا مكان” يُرى أنه تعظيم لله تعالى وأن العكس يؤدي إلى عدم علم الله تعالى ما يحدث في المستقبل؛ وهكذا يُخدع الناس باسم الله؛ لأن الحقائق ليست كذلك. كما أشرنا إليه قبل قليل.

يوجد في القرآن الكريم نموذج يبين خطأ مثل هذا الزعم كما يوجد فيه نموذج لكل شيء؛ كما جاء في قصة موسى والخضر؛ وذلك حين قتل الخضر غلاما قال له موسى استنكارا لما فعل: «أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا» (سورة الكهف، 18 / 74)…

وفيما بعد يبين الخضر سبب ما فعل من قتل الغلام قائلا: «وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا. فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْما»  إلى أن قال: «مَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي» (سورة الكهف، 18 / 81-82).

الخضر هو الملك الذي أرسله الله تعالى لأداء وظيفة. فالله تعالى يرسل ملائكته لأداء مهامّ معينة.[51]

لم يرد في القرآن الكريم أن الإيمان بالقدر من شروط الإيمان. والذي جعله من شروط الإيمان يرى في مسألة الأجل شيئا عجيبا كما جاء في الموسوعة الإسلامية التي صدرت من وقف الديانة على النحو التالي:

“يعرف الأجل بأنه وقت إنتهاء حياة مخلوق من المخلوقات حسب علم الله تعالى. كما هو رأي علماء أهل السنة والجماعة من السلفية والماتريدية والأشعرية. وعلى هذا فالأجل هو موضوع يتعلق بتقدير الله تعالى مدة حياة مخلوق وموته إذا نقضت تلك المدة. وهذا يعني أن لكل نفس أجلا لا يتغير قطعيا”.[52]

لو كان الأمر كما قال أصحاب المذاهب، لم يقتل الغلام ولم يمت حتى يأتي أجله. ولكن نفهم من الآية أنّ الغلام قد قتل قبل أن يتم أجل.[53] وإلا لم يكن معنىً لقوله تعالى على لسان الخضر: « فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا».

ولو صح القول أن الله تعالى مجرد عن المكان والزمان وأن الماضي والمستقبل عنده كالحاضر وأنه يعلم الماضي وما تم تخطيطه في المستقبل، فكيف يمكن الحديث عن الخشية من إرغام الغلام والديه على الكفر والطغيان؟ كذلك لم يكن فائدة من أخد التدابر لبقاء أبويه مؤمنين لأن علم الله تعالى لا يتغير.

فالأمور المتعلقة بإمتحان المكلفين ليست داخلة ضمن الأمور المخططة. لأن الله تعالى أقام نظام الحياة الدنيا على أساس الامتحان. لذا بين الله تعالى في كثير من الآيات أنه لا يعلم ما يتعلق بإمتحان المكلفين. ومن تلك الآيات قوله تعالى: « إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ . أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ . وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ» (سورة آل عمران، 3 / 140-143).

يظهر أن إبليس خدع بعض علماء المسلمين كما خدع من قبل آدم عليه السلام. لأنه قال حين حصل على وعد الله تعالى لأن يؤخره إلى يوم القيامة قال: «فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ» (سورة الأعراف، 7 / 16-17).

وقد قال إبليس أنه يجلس على الصراط المستقيم. وعلى هذا فهو يضل المسلمين باسم الدين. لذا قال الله تعالى محذرا من غوايته: «وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ» (سورة لقمان، 31 / 33).

كما أن إبتلاء الله تعالى لعباده قد خرج من أن يكون إبتلاء الصبر والجهاد إلى إبتلاء العلم. حتى قيل: “إنّ المدرس يعلم أن أحدا من تلاميذه سينجح في الامتحان أو لا ينجح، وإذا كان هذا حال المدرس وما بالك بالله العلي العليم، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟”

وإحدى الآيات التي أشرنا إليها سباقا هي قوله تعالى: «وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ» (سورة آل عمران، 3 / 143).

والابتلاء هو العزم الذي يستمر حتى اللحظة الأخيرة، وطريق الوصول إلى النجاح هو الصبر والثبات. ومن إحدى مكايد الشيطان في هذه المسألة هي القول “إن الله عالم الغيب”…

الغيب هو ما غاب عن الحاسة وعن علم الإنسان.[54] وما لم يتم تخطيطه من الله تعالى لا يعتبر غيبا له ولا علم يتعلق به.

وكل هذا كان له تأثير سلبي في فهم المسلمين للقرآن الكريم، كما فتح طريقا أمام من يريد تطويع الآيات إلى ما تهوى أنفسهم. وقد أخبر الله تعالى عما سيدور على مثل هؤلاء من الدائرة حيث قال: « يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ . يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ . فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (سورة الحديد، 57 / 12-15).

فعل “شاء” الذي ورد في الآيات

ورد فعل “شاء” الذي فاعله الله في الآيات التي تشبه أسئلة الإمتحان أو تبين نتائجه.

  1. الآيات التي تشبه أسئلة الإمتحان:

قال الله تعالى: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» (سورة الأنبياء، 21 / 35).

ومن أجل ذلك فإن فعل “شاء” في الآية التالية وهو قوله تعالى: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (سورة آل عمران، 3 / 26-27).

أما الإنسان الذي لا يعرف حكمة الابتلاء يخطئ في فهم الحال الذي هو فيه من الغنى والفقر. كما أخبر تعالى عن مثله بقوله: «فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ، كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ . وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا . وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا» (سورة الفجر، 89 / 15-20).

  1. الآيات  التي تدل على نتائج الإمتحان

أفعال “شاء” التي فاعِلُها الله فقط، وردت في الآيات التي تدل على نتائج الإمتحان. منها الآيات التالية في حق من خسر الإمتحان: «وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ . وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ» (سوؤة الأنعام، 6/ 111-112).

  1. أفعال “شاء” التي فاعلها العباد

أفعال “شاء” التي فاعلها غير الله من المكلفين وردت في الآيات التي تدل على الأفعال المكلفة التي يختارها العبد بإرادته الحرة وبإذن الله تعالى. ومنها قوله تعالى: «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (سورة البقرة، 2 / 284).

وقوله تعالى: « إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»  (أي لمن يختار الإيمان وترك الشرك) وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا» (سورة النساء، 4 / 116).

وقوله تعالى: « وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (سورة يونس، 10 / 25).

  1. فعل “شاء” التي يمكن أن يكون فاعلها العباد فقط

وفعل “شاء” ورد في الآيات التي تتحدث عن أهل الجنة وما يستمتعون فيها من النعيم كما في قوله تعالى: «وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ . لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ» (سورة الزمر، 39 / 33-34).

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» (سورة الشورة، 42 / 22).

الفطرة

الفطرة؛ تعني مبادئ وقوانين الخلقة والتغيير والتطور. وهي تتبين بدراسة المعايير التي وضعها الله تعالى لـ”الشيء”؛ تلك التي تُكَوِّن البِنيةَ الأساسية للكائنات. أي أنّ السماوات والأرض والبشر والحيوان والنبات وغيرها من الأشياء تتكون وتعمل وفق تلك المعايير والقوانين والمبادئ.. وقد اعتبر القرآن الكريم كل واحد من تلك المعايير والقوانين والمبادئ آية (يطلق عليها الآيات الكونية) حيث يوجد بينها وبين الآيات القرآنية علاقة وثيقة، قال الله تعالى: « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ » (الروم، 30 / 30).

ونفهم من هذه الآية أن الدين هو الفطرة. لذا كثيرا ما ترى القرآن يلفت النظر إلى الفطرة، كما نرى أن الأمثال في القرآن الكريم من الفطرة أي الطبيعة.

يوجد نظام كامل في كل شيء؛ في الطبيعة وعلاقتها بالموجودات الأخرى. ويستطيع كل واحد من الناس أن يفهمها حسب خبرته وقدرته العلمية. وكذلك يوجد نظام متكامل لكل واحد من الأحكام الدينية في القرآن الكريم، كما أن لكل حكم علاقته بالأحكام الأخرى. وهو نظام متوافق مع الفطرة توافقا تاما. وبهذا النظام يستطيع الإنسان أن يعلم أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى:

«سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» (سورة فصلت، 41 / 53).

خلاصة الكلام

كما رأينا فإن الشي والقدر والإرادة مصطلحات بينها ارتباط وعلاقات قوية. ولكن قد أهملت تلك العلاقات عبر التاريخ مما أدى إلى إبعاد الدين عن العلم والفطرة، وبالتالي عدم فهم الدين على شكل صحيح.

ونحن نرى أن المشاكل الهامة اليوم تتركز في علاقة الدين بالعلم. والفطرة هي مصدر ومنبع العلوم. وإظهار ارتباط الدين بالفطرة وعلاقته بها يقدم خدمة للبشرية. ونتمنى أن تكون هذه الدراسة قد أسهمت في هذه الخدمة.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع حبل الله www.hablullah.com

أ.د عبد العزيز بايندر

 


[1] ولمزيد من المعلومات أنظر: شرح الكافية الشافية (1/ 103)  المؤلف: محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين (المتوفى: 672هـ)المحقق: عبد المنعم أحمد هريدي الناشر: جامعة أم القرى مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي كلية الشريعة والدراسات الإسلامية مكة المكرمةالطبعة: الأولى

[2] “وَالشَّيْءُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ إمَّا حِسًّا كَالْأَجْسَامِ أَوْ حُكْمًا كَالْأَقْوَالِ” المـصـبـاح المـنـير فـي غريـب الشـرح الكبـير.

[3] و فعل شاء. وأصلها شَيَأَ. قلبت الياء ألفا لكون ما قبلها مفتوحا.

[4] ويكون مفعول شاء شيئا كما ورد في قوله تعالى: “وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا”  (سورة الأنعام،6 / 80)

[5] قال الله تعالى: « وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا» (سورة الفاطر، 35 / 45).

[6]  والإستفهام هنا استفهام إنكاري.

[7]  وقد قال أكثر المفسرين أن “ما” في قوله تعالى: «مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَة» (الآية الثامنة والثمانين من سورة القصص)  للنفي. وعلى هذا فيكون معنى الآية: لم يكن لهم حق الاختيار. وهو ما لا يمكن قبوله. لأن الله تعالى بين في  آية سابقة أن للإنسان حق الاختيار. حيث قال: « فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ» (سورة القصص، 28 / 67). كما جاءت الآية التاسعة والثمانون من نفس السورة مؤيدة ذلك. قال الله تعالى: «وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ» (سورة القصص، 28 / 69).

[8]  أساس البلاغة، 1/ 528

[9] جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (المتوفى: 864 هـ)، تفسير الجلالين، اسطنبول عند تفسير سورة يس، 36 / 82.

[10] كان فعل تام أو فعل ناقص. حين يكون فعلا تاما يكتفي بالفاعل ويدخل ناقصا على المبتدأ والخبر، فيصير المبتدأ اسما له وينصب الخبر. يدل على اتصاف المبتدأ بالخبر في زمن معينة. وقد يفيد الاستمرار. وإذا كان فعلا تاما يكتفي بالفاعل كما في الآية.

[11] محمد بن إبراهيم البغدادي، لباب التأويل في معاني التنزيل المطبعة العامرة 1319 من السنة الهجرية جـ. 4، صـ. 223 (ضمن كتاب المجموعات من التفاسير). وهناك آية أخرى متعلقة بالموضوع هي قوله تعالى: « وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ » (سورة البقرة، 2 / 117).  وكلمة قضى في الآية تعني قرر، وكلمة أمر تعني شيء.  والتنوين فيه عوض عن المضاف .  وعلى هذا فمعنى قوله تعالى: ” إذا قضى أمرا” يكون إذا قرر خلق شيء. وقد فسر القرطبي: إذا أراد خلق شيء. (القرطبي، الجامع للأحكام القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت 1408 / 1988، جـ. 2، صـ, 61).

[12] أي أن نخلقها شيئا مستقلا بريئا عن أعمال الآخرين

[13]  صحيح البخاري، طوق النجاة ، 1 / 6

[14] أنظر: المفردات، مادة: ذكر.

[15] المفردات، مادة: قدر.

[16]  سورة فصلت، 41 / 11.

[17]  أنظر: المفردات، مادة: شكر.

[18] المفردات، مادة: كفر.

[19]   لسان العرب، مادة: رود.

[20] تفسير الرازي، دار إحياء التراث، ص: 4760

[21] سنن الدارمي،  باب البيوع 2.

[22] سنن الترمذي، باب 60، رقم الحديث: 2518.

[23]  أنظر: مقايس اللغة لابن فارس؛ والمفردات للاصفهاني (بتصرف).

[24]  وكلمة “مصيبة” في الآية هي من صوب الذي يدلُّ على نزولِ شيءٍ واستقرارِهِ قَرَارَه. وعلى هذا فالمصيبة في الآية تعني كل ما أصاب الإنسان ونزل عليه من خير وشر. كما تؤيد ذلك الآية التالية. وهي قوله تعالى: «لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُل مُخْتَال فَخُور» (سورة الحديد، 57 / 23).

[25]   المفردات، مادة: قدر.

[26] أنظر: جامع الدروس العربية لمصطفى بن محمد سليم الغلايينى (المتوفى: 1364هـ) الناشر: المكتبة العصرية، صيدا – بيروتا لطبعة: الثامنة 1/ 175؛ أحمد مختار عبد الحميد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، 2 / 1252.

[27] المفردات، مادة: شيء.

[28]  سنن أبي داود، كتاب الأدب 110.

[29] أبو منصور الماتوريدي، تأويلات القرآن، جـ. 7، صـ . 458.

[30] أبو منصور الماتريدي، تأويلات القرآن، جـ. 5، صـ . 250.

[31]  المرجع السابق

[32]  نور الدين الصابوني، البداية في أصول الدين، الديانة للنشر، أنقرة 1995، صـ . 72.

[33] الزبيدي، تاج العروس، مادة: شيأ.

[34] المرجع السابق.

[35] السيوطي، المظهر في علوم اللغة وأنواعها، بيروت 1998، جـ. 2 / صـ. 100

[36]Muhammed b. Yakub el-Fîrûzâbâdî (ö. 817/1415) el-Kâmûsu’l-Muhît, tahkik Muhammed Naîm el-Arksûsî (العرقسوسي), Beyrut 1426/2005, s. 44. Arapça bilmeyenler için cümleyi tercümenin bir faydası olmayacağı için tercüme edilmemiştir.

[37]El-Cevheri, İsmail b. Hammad (ö. 393 h.), es-Sıhah, (thk: AhmedAbdulgafûrAttâr), Beyrut 1987, c. I, s. 58.

[38]İbnManzûr (ö. 711/1311), Lisan’ul-Arab, شاءَmd.

[39]İbnManzûr, Lisan’ul-Arab,شاءَveشأيmaddeleri.

[40]   الإمام الماتريدي، كتاب التوحيد، تحقيق. بكر توبال أوغلو و محمد آروجي، أنقرة 2005، صـ. 488.

[41] العقيدة الطحاوية، 1 / 17.

[42] العقيدة الطحاوية، 1 / 32.

[43] فكلمة “خليفة” بمعنى مخلوف؛ لأنها على وزن فعيل بمعنى الفاعل والمفعول. وعلى هذا فمعنى الآية أن آدم عليه الصلاة والسلام مخلوف؛ أي يخلفه من يأتي بعده وليس خليفة لغيره أو لمن سبقه. وبعبارة أخرى إن كلمة “الخليفة” تحمل معنيين: أحدهما من ينوب عن شخص بموت ذلك الشخص أو بتركه لمكانه. فمثلا حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم خلف أي ناب عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ لذا قيل عنه خليفة رسول الله. والمعنى الثاني لكلمة “الخليفة”، هو مَن خُلِفَ . وعلى هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم خليفة أي مخلوف وخليفته (بمعنى من ناب عنه) هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه . إن آدم عليه الصلاة والسلام لم يخلف أحدا، وعلى هذا حين يقال عنه خليفة يراد به المعنى الثاني أي أنه مخلوف خلفه أولاده من بعده وتستمر الخلافة على هذا النحو حتى تقوم الساعة.

[44]  وكذلك قال الله تعالى عن نوح عليه السلام: «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ؛ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ؛ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ؛ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ؛ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ؛ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ؛ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ. قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (سورة هود، 11 / 40-47)

[45] عمر نصوحي بلمن، الفقه الإسلامي الكبير، اسطنبول 1986، صـ. 31، الإيمان بالقضاء والقدر، الفصل: 67-70.

[46] الفخر الرازي،  مفاتيح الغيب من القرآن الكريم، 1 / 584.

[47] تفسير الطبري، 2 / 7

[48]  تفسير الطبري، 1 / 6-7.

[49] الإمام الماتريدي، تأوبلات القرآن، عند تفسير الآية 124 من سورة البقرة.

[50] الإمام الماتريدي، تأويلات القرآن، عند تفسير الآية 31 من سورة محمد.

[51]   كما قال الله تعالى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (سورة الفاطر، 35 / 1-2).

ومن الممكن أن يأتي هؤلاء الملائكة في صورة أناس. كما جاوا إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام على شكل ضيوف. كما في قوله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ؛ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ،  فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ، فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ، قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» (سورة الذاريات، 51 / 24-30).

ولم يقتنع إبراهيم ببشرى الملائكة بالغلام. لذا قال للملائكة: «فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ، قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ، لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ» (سورة الذاريات، 51 / 31-34).

وكذلك أرسل الملائكة إلى إهلاك لوط عليه السلام.

وقد حسب موسى الخضر في بداية الأمر إنسانا، لذا أعترض عليه فيما فعل. وعندما بين له خضر تأويل ما فعل وقال له: «وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا» (سورة الكهف، 18 / 82) فهم موسى حقيقة الأمر.

[52] جهاد تونج، الأجل، الموسوعة الإسلامية الصادرة من وفق الديانة، اسطنبول 1994.

[53] الأجل يمكن أن ينقص ولكن لا يمكن أن يطول. أنظر: http://www.hablullah.com/?p=1576

[54] راغب الاصفهاني، المفردات، مادة غيب.

التعليقات

  • السلام عليكم اخي جمال بعد قد اقتناعي ان الله تعالى يخلق افعال العباد ويكتبهابعد ان ينوي العبد فعل الامر آسفة اني سألتكم /اذن معنى عالم الغيب ان الله يعلم الاحداث الى يوم القيامة كان سؤالي فيه قصور تفكير مني وكأني ادور في دوامة اعتقد سببه الفهم الخاطئ الذي تعلمناه وتمكن منا.
    اعيد صياغة سؤالي هل المقصود بالغيب هو ما اخبرنا الله تعالى عنه في كتبه من الايمان بالأمور التي لانراها كالملائكة والجن والجنة والنار والرسل السابقون والاحداث السابقة والى ماهنالك هل فهمي صحيح.
    سؤال اخر سمعت احد الشيوخ عل التلفاز يقول ان الجان ليس لهم رسل هل هذا صحيح قد يكون استدل بسورة الجن وماسمعوه من القران .ارجو افادتي وجزاكم الله خيرا نورتم حياتي بفهمي الصحيح للقرآن .

    • وعليكم السلام ورحمة الله
      بعد أن يخبر الله تعالى بشيء يخرج عن كونه غيبا، لأن الغيب ما غاب عنا فلا نراه ولا نعلم عنه شيئا، فإن علمنا الشيء بدليل قطعي خرج عن كونه غيبا، فما ذكره الله تعالى لنا من أحوال الجنة والنار والملائة والرسل لم يعد غيبا، الغيب المتعلق بهذه المسائل هو ما لم يذكره الله تعالى من تفاصيل لم يكن هناك داع لذكرها.
      أما بالنسبة لرسل الجن فلا وجه للقول بعدم وجودهم لا سيما انهم مكلفون كالإنس ومحاسبون بناء على ما يأتيهم من رسلهم. يقول الله تعالى:
      ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ) الأنعام/130.
      فكما بعث الله تعالى من الإنس رسلا فإنه بعث من الجن رسلا كذلك.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.