حبل الله
غنى الله تعالى عن عبادة البشر

غنى الله تعالى عن عبادة البشر

السؤال: نعلم أن الله تعالى غني عن العالمين وأنه لا يحتاج لعبادتهم. فإن كان الأمر كذلك فلماذا فرض الله تعالى علينا العبادات كالصلاة والصيام وغيرهما من العبادات؟

الجواب: شرع الله تعالى العبادات على الخلق لدوام ذكره سبحانه، ودوام ذكر الله يعني الشعور بمراقبة الله تعالى وخشيته وما يتبع ذلك من الإستقامة والتجرد وتحقيق الحياة المثلى للفرد والمجتمع ومن ثم الفوز بالحياة الآخرة.

إن دوام ذكر الله تعالى علة تشريع العبادات، يظهر هذا من أمر الله تعالى لموسى عليه السلام بإقامة الصلاة {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}(طه 14) وقد أمر الله تعالى نبيه موسى وأخاه هارون ألا يفترا عن ذكره تعالى لأهمية ذلك في نجاح مهمتهما في التبليغ {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} (طه، 42)

الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والزكاة تطهر المال وتربي النفس على البذل وفيها إعانة للمحتاجين؛ لذا كان مما تكلم به المسيح عليه السلام في المهد ذكره وصية الله تعالى بأن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة مدة حياته {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (مريم، 31)

وقد أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يؤذن للناس في الحج {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (الحج، 28) فالدوام على ذكر الله بأداء العبادات سبب للتزكية والفلاح قال تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (الأعلى،14_15 ).

الله تعالى ولي النعمة علينا ابتداء وانتهاء؛ فهو الذي خلق ورزق وقدر فهدى، وما من نسمة هواء نتفسها ولا كسرة خبز نأكلها إلا من جزيل نعمائه وعظيم عطائه سبحانه. قال الله تعالى {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان،20) هذه النعم الجسيمة يقابلها وجوب شكر المنعم المتمثل بعبادته وحده دون غيره من الأنداد، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (البقرة ، 172) {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (النحل، 114) {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (العنكبوت، 17).

وقال تعالى مخاطبا سليمان عليه السلام {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ، 13)

وقد أمر الانسان أن يقابل نعمة الله تعالى عليه بالشكر، ولا يتحقق مفهوم الشكر إلا بالعمل الصالح لذا قال تعالى لرسولنا عليه الصلاة والسلام: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} ، أي كن من الشاكرين بأن تعبد، وليس فقط بأن تقول، وقد التزم النبي صلى الله عليه وسلم أمر الله إياه، فكان يقوم من الليل حتى تورمت قدماه، وقد جاهد في الله حق الجهاد، وكان عزاؤه أبدا (أفلا أكون عبدا شكورا؟)[1].

شكر الله تعالى لمصلحة العبد أيضا

علاقة العبد بربه ليس كعلاقته بغيره، ففضل الله على العبد لا ينقطع، فهو سبحانه يخلق ويرزق ويقابل الشكر بالمزيد، قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (ابراهيم،7)

الشكر يؤدي إلى زيادة النعمة. قال تعالى {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (آل عمران، 144) {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (ابراهيم، 7) كما أن الشكر يدفع البلاء والعذاب. قال الله تعالى {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} (النساء، 147).

ولن يستطيع أحد أن يحصي فضل الله عليه، والحاصل أن كل ما شرعه الله تعالى علينا إنما فيه الخير لنا وصلاحنا في الدنيا والآخرة، وصلاحنا وفلاحنا يرضي لله تعالى وكفرنا لا يرضيه، وهذا أيضا من عظيم منته وفضله وحنوه على خلقه. أنظر إلى قوله تعالى {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (الزمر، 7).



[1] رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، صحيح البخاري، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 1130

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.