حبل الله
ذكر الله تعالى في الصلاة

ذكر الله تعالى في الصلاة

الصلاة محل لذكر الله تعالى؛ لذا أمر سبحانه المصلين بدوام ذكره في صلاتهم بقوله تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} وهذا الجزء من الآية يتحدث عن صلاة الخائف من العدو (القصر) وهي ركعة واحدة، ودوام الآية هو {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء، 103) أي أقيموا الصلاة المعهودة من غير خوف من العدو. وبعد زوال الخوف أمر الله تعالى بإقامة الصلاة كما علمنا {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (البقرة،238_239)

فذكْرُ الله بالقيام يكون بتكبيرة الإحرام ودعاء الإفتتاح وبقراءة الفاتحة وما تيسر من القرآن، والقعود يكون بين السجدتين؛ حيث يدعو المسلم ربه بالمغفرة، كما يكون في الجلوس بعد الركعتين في الصلاة الزائدة عن اثنتين، وفي ختام الصلاة حيث التشهد والصلاة الإبراهيمية. أما ذكر الله على الجُنوب فيكون بالركوع والسجود؛ وقد جاء تفصيل {وعلى جنوبكم} بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج، 77) أي أن ذكر الله تعالى على الجنوب يكون بالركوع والسجود.

والجنوب جمع جنب وهو الناحية من الإنسان[1] وحسب الآية لا بد أن يكون المعنى أطراف الإنسان التي يعتمد عليها في ركوعه وسجوده. نفهم هذا حين نقرأ قوله تعالى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة، 36) قوله تعالى {وجبت جنوبها} أي هدأت حركة أطرافها ملتصقة بالأرض، وآخر ما يهدأ بعد الذبح هو الأطراف. وكذلك في قوله تعالى واصفا من يقومون الليل {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (السجدة،16) فأول ما يتحرك بالإنسان عند استيقاظه من النوم أطرافه، ولا يستطيع النهوض من مضجعه إلا معتمدا عليها.

ومن خلال الآيتين السابقتين نفهم قوله تعالى {وعلى جنوبكم} لأن المصلي يعتمد على يديه ورجليه في ركوعه وسجوده، فإن ركع دون أن يضع يديه على ركبتيه معتمدا عليها فلا يعتبر ركوعه صحيحا. وكذا السجود يجب أن تكون الأطراف ملاصقة للأرض، والجبهة والأنف يعتبران جانب الرأس الذي يلاصق الأرض بالسجود، ولا ينبغي أن يكون غير الأطراف عاملا في السجود، كأن يضع مرفقيه على الأرض أو يلصق بطنه بفخذيه، وتطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم تؤكد هذا الفهم. فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة، وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين، وأطراف القدمين» [2]

وعَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَجَدْتَ، فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ»[3] وقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ما يدل على انتصاب القدمين عند السجود وملامسة أطراف أصابع القدمين الأرض[4] .



[1]  الجَنْبُ والجَنَبةُ والجانِبُ: شِقُّ الإِنْسانِ وَغَيْرِهِ. تَقُولُ: قعَدْتُ إِلَى جَنْب فُلَانٍ وَإِلَى جانِبه، بِمَعْنًى، وَالْجَمْعُ جُنُوبٌ وجَوانِبُ وجَنائبُ، الأَخيرة نَادِرَةٌ. (لسان العرب، مادة جنب). ولو كان القصد من قوله تعالى {وعلى جنوبكم} ما ذكره صاحب لسان العرب لوجب أن تكون كملة {جنوبكم} بالتثنية لا بالجمع. وعليه لا بد أن تكون كلمة الجنوب تعني أعضاء السجود.  لأنه لا يمكن أن يكون المعنى وجوب السجود على شقي الإنسان الأيمن والأيسر.

[2]  صحيح البخاري، باب السجود على سبعة أعظم، 812

[3]  صحيح مسلم، باب الاعتدال في السجود،234 – (494)

[4]  عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ. صحيح مسلم، باب ما يقول في الركوع، 222 – (486)

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.