حبل الله
تقسيم الأب أمواله على الأولاد قبل الموت

تقسيم الأب أمواله على الأولاد قبل الموت

السؤال: هل يمكن للمورث تقسيم التركة على الورثة وهو على قيد الحياة؟

الجواب: ما يملكه الشخص لا يسمى تركة إلا بعد تحقق موته، وأما حالَ حياته فهو مال يمتلكه. وللمالك حق التصرف في أمواله ينفق ويهب في حدود المباح شرعا، والأصل أن يتمتع صاحب المال بماله وأن يبقى على ذمته حتى يتوفاه الله تعالى فيؤول ماله إلى ورثته ويقسم بينهم بحسب ما أمر الله تعالى في كتابه.

وقد يرى بعض الناس أن يقسم المال على أولاده قبل موته معللا ذلك رغبته بعدم حصول نزاع على الميراث بين أبنائه. والأصل أن لا يستسلم المسلم لمثل هذه الهواجس وأن لا يوزع أمواله حال حياته لما ينطوي عليه من ظلم نفسه أولا والخوف من عدم قدرته على تحقيق العدل بين أبنائه ثانيا. ورغم ذلك يمكننا القول بأن صاحب المال يستطيع أن يهب أمواله لأبنائه قبل موته بناء على حقه في التصرف بأمواله حيث لا يوجد دليل خاص يمنع ذلك.

ولكن يجب عليه أن ينتبه في هذه الأثناء لما يلي:

أولا: أن يعدل بين أبنائه في العطاء. فقد أمر الله تعالى بالعدل في كتابه واعتبره من مقومات سلوك المسلم.  ويصدق هذا ما روي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: «ألك ولد سواه؟»، قال: نعم، قال: فأراه، قال: «لا تشهدني على جور»[1]. وقد اعتبر النبي تفضيل ولد على آخر جور وعلى المسلم أن يمتنع عنه.

ثانيا: أن لا يؤدي ذلك إلى الإضرار ببعض ورثته، كما لو قصد من ذلك حرمان زوجته أو غيرها. لأنه لا يجوز التعسف في استعمال الحق، وقد ورد تحريم الإضرار في مواضع عدة من القرآن الكريم[2] لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار”[3] وقد غدا قول النبي هذا قاعدة فقهية مقررة تعمُّ كل حادثة يتعسف فيها صاحب الحق بما يؤدي لضرر بالآخرين. ونخلص إلى أنه يجوز توزيع المال على الأبناء قبل الموت مع مراعاة العدل وعدم الإضرار.

 


[1] رواه البخاري باب: لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2650) ، ومسلم (1623) (13) ، وأحمد، 18369 والطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (5074) ، وفي “شرح معاني الآثار” 4/86، والبيهقي في “السنن” 6/176، وابن عبد البر في “التمهيد” 7/231

[2] وذلك مثل قوله تعالى {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} (البقرة، 231) {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} (البقرة، 233) {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} (الطلاق، 65)

[3] ورد هذا الحديث من عدة وجوه يقوي بعضها بعضا وهو يتوافق مع الآيات الواردة في تحريم الضرار. قال أبو عمرو بن الصلاح: هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه، وقال أبو داود: إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها. انظر تحقيق شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد، وآخرون على مسند أحمد 2866، 56/5

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.