حبل الله
الخمر: حقيقته وحكمه وعقوبته

الخمر: حقيقته وحكمه وعقوبته

الخمر في اللغة وفي عرف العرب

الخمر: اسمٌ لكلّ مُسْكِرٍ خَامَرَ العَقْلَ[1]. وسمي الخمر خمرا لأنه يغطي العقل، ويقال لكل ما يستر من شجر أو غيره: خمر[2] . وقيل سميت خمرا لأنها تُغطى حتى تغلي. وقيل سميت خمراً لأنها تخامر العقل أي تخالطه.

ومن ينظر يجد أن المعاني كلها تصبُّ في قالب واحد، فالخمر تغطي العقل فيختلط الأمر على شاربها، ثم إنها ستار يحول دون رؤية الأشياء على حقيقتها.

ما هو الخمر في عرف العرب؟

عُرف الخمر في لغة العرب بحسب ما ورد في المعاجم اللغوية على عدة معان:

الأول: أن كل ما أسكر فهو خمر[3]

الثاني: كل مسكر اتخذ من العنب خاصة[4]

الثالث: الخمر كل مسكر اتخذ من العنب والتمر

الرابع: هي كل ما أسكر من غير المطبوخ[5].

حقيقتها الشرعية:

اختلف العلماء في حقيقة (الخمر) الشرعية على قولين:

الأول: للحنفية، حيث قالوا: الخمر ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد، بطبعه دون عمل النار[6]   .

الثاني: للجمهور حيث قالوا: الخمر كل ما أسكر سواء كان عصيراً أو نقيعاً من العنب أو غيره مطبوخاً أو غير مطبوخ. وهذا التعريف هو الصواب؛ لأن اللغة تشهد لهذا[7]  كما أنه موافق للغة القرآن كما سنبينه عند الحديث عن حكمة الشرع في تحريم الخمر.

كما أن الأحاديث الواردة تبطل مذهب الحنفية القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمراً ولا يتناوله اسم الخمر. وهو قول مخالف للغة العرب والسنّة الصحيحة وما كان عليه عرف الصحابة رضي الله عنهم[8].

فعن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها ولم يتب لم يشربها في الآخرة”[9]

وقد أشكل على علماء الحنفية الروايات الواردة التي تشير أن الخمر الموجود في المدينة حين نزول آيات التحريم كان من التمر والعنب فقط[10] لكنّ اقتصار الخمر على ما كان من نوع معين في عصر التنزيل لا يدل على أن لفظ الخمر منحصر به، لأنَّ القرآن كتابُ الله لكل الناس في كل زمان ومكان، والخمر لغة وعرفا لا ينحصر فيما كان من شراب دون آخر، بل يشمل كل شراب مسكر وفي الحديث الذي رواه البخاري (والخمر ما خامر العقل)[11] فيه دليل واضح على بطلان قول من زعم أن الخمر إنما هي من عصير العنب، أو الرطب، بل كل مسكر خمر[12]. ويدخل كذلك في معناه ما خامر العقل مما ابتدع في العصور المتأخرة كالمخدرات بأنواعها وتسمياتها؛ لأنها مسكر تخامر العقل، بل هي أشد فتكا وأكثر تدميرا للأفراد والمجتمعات.

حكمة الشرع في تحريم الخمر بأنواعه وأشكاله

قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة،90_91) . بحسب الآية تظهر الحكمة من تحريم الخمر بما يلي:

1_ أنها رجس من عمل الشيطان

2_ هي سبب في وقوع العداوة والبغضاء بين الناس

3_ كما أنها وسيلة الشيطان لصد الناس عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة.

ومن ينظر في حكمة التحريم يتبين له حرمة المخدرات وأنها تندرج تحت اسم المسكر؛ بل هي أشد إسكارا كما أسلفنا.

عقوبة شارب الخمر

لم يأت في كتاب الله تعالى أي إشارة على العقوبة القضائية لشارب الخمر، وإنما نصت الآيات على تحريمها وما كان محرما فأمر فاعله إلى الله تعالى؛ إما يعذبه أو يعفو عنه، وقد أمر الله تعالى باجتنابها أي الابتعاد عنها لذلك استحق شاربها ومن اشتغل بها خدمة للشارب اللعن[13].

 ورغم عدم وجود ما يفيد عقوبة شارب الخمر إلا أن جمهور الفقهاء رأوا أن العقوبة فيها حد من حدود الله، وقد ذهب البعض منهم إلى أن الحد ثمانون جلدة مستدلين بتقدير عمر رضي الله عنه، وذهب الآخرون أنه أربعون محتجين بما اتفق عليه الصحابة زمن أبي بكر، ومن العجيب ادعاء الإجماع دون الرجوع إلى القرآن والسنة الصحيحة الموافقة للكتاب.

ومن الغريب حقا اعتبار العقوبة حدا من حدود الله رغم الإختلاف في تقديرها ورغم صعوبة نسبة تلك التقديرات للنبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن عدم وجود إشارة عليها في القرآن الكريم. وقد حملت أقوال الفقهاء تناقضات كبيرة وهم يسوقون الحجج لإثبات الحد في الشرب حتى وصل التناقض إلى حد زعم الشيرازي بقوله “فإن رأى الإمام أن يبلغ بحد الحر ثمانين وبحد العبد أربعين جاز”[14] وكأن الشيرازي لم يقرأ قوله تعالى {وتلك حدود الله فلا تقربوها} (البقرة، 187) فإن كانت عقوبة الخمر حدا محددا فيكف يجوز للامام الزيادة فيه والنقصان؟.

وبعد أن نقل ابن حجر رواية ابن عباس والتي تفيد بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب في الخمر أثناء غزوة تبوك التي حصلت في السنة التاسعة للهجرة رد على هذه الرواية بقوله ” إن الإجماع انعقد بعد ذلك على وجوب الحد لأن أبا بكر تحرى ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب السكران، فصيره حدا، واستمر عليه، وكذا استمر من بعده، وإن اختلفوا في العدد. “[15] ولك ان تنظر الى قول ابن حجر: “فصيَّره حدا” لتدرك كم هو بعيد أن تكون عقوبة الخمر حدا من حدود الله تعالى.

وقد ذهب البعض إلا أن العقوبة في الخمر تعزير وليست حدا، واستدلوا بالأحاديث الواردة؛ فإنها ساكتة عن تعيين عدد الضرب، وقد سئل ابن شهاب “كم جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر؟ فقال: لم يكن فرض فيها حدا، كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم: ارفعوا “[16]

وورد أنه لم يضربه أصلا وذلك فيما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “لم يوقت في الخمر حدا “[17] ، وقد روي عن ابن عباس: “وشرب رجل فسكر فانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى دار العباس انفلت فدخل على العباس، فالتزمه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم يأمر فيه بشيء “[18]  وفي رواية أخرى عن ابن عباس “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر إلا أخيرا، ولقد غزا تبوك فغشي حجرته من الليل سكران فقال: ليقم إليه رجل فيأخذ بيده حتى يرده إلى رحله”[19].

وعن على قال: “ما من رجل أقمت عليه حدا فمات فأجد فى نفسى فيه شيئا إلا صاحب الخمر فإنه لو مات لوديته لأن النبى – صلى الله عليه وسلم – لم يسنه وإنما نحن سنناه” [20]

هذه الرواية تنفي أن يكون النبي عاقب على شرب الخمر، وهذا هو الأصل الموافق للكتاب؛ حيث لا إشارة فيه على عقوبة شارب الخمر، والنبي مأمور باتباع ما أنزل إليه من ربه. بقوله تعالى {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام، 106) ثم يُؤمر النبي أن يخبر قومه بهذه الحقيقة بقوله تعالى {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف،203)

وإن قيل كيف لا نقول بأن عقوبة شارب الخمر حدا وقد أيد ذلك كبار الصحابة فيما روي عنهم؟ قلنا لو سلمنا لتلك الأخبار فلا حجة فيها ؛ لأن الحجة في كلام الله وما يوافقه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن محاسبون أمام الله بناء على ما في كتابه وليس بناء على اجتهادات العلماء حتى لو كانوا من الصحابة رضوان الله عليهم.

 وقد يقول قائل ما قولكم بالروايات الصحيحة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد دلت على معاقبة النبي لشارب الخمر؟ قلنا إن مجموع الروايات تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعاقب في بعض الأحيان دون الأخرى، وربما يرجع ذلك إلى حالة الشارب إن صدر منه ما يضر بالمجتمع أم لا، وهذا من قبيل التعزير ليس على الشرب ذاته بل على ما ينتج عنه.

ولو كانت العقوبة حدا كما يدعي جمهور العلماء لما جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعفو عن أي شارب. ولما تبين أنه عفا فهذا يدل دلالة قاطعة أنه ليس في شرب الخمر حد.

المخدرات من المسكر الحرام.

وفيما يتعلق بالمخدرات فضررها لا يقتصر على كونها مسكرة ومخامرة للعقل، بل يتعدى ضررها إلى ما هو أبعد بكثير حيث الإدمان وما يتبع ذلك من انفلات المدمن نحو الجريمة ليصبح بذلك وبالا على أسرته ومجتمعه، ولذلك رأينا القوانين العالمية كلها تمنع وتكافح المخدرات، والمسلمون ليسوا استثناء في ذلك فلا بد من سن القوانين التي تكبح جماح المتجرين بها والمروجين لها، وإنشاء مراكز خاصة لتأهيل المتعاطين لها والذين ربما انزلقوا لظروف قاهرة.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

جمال نجم

 


[1] تاج العروس نقلا عن المصباح، مادة خمر 11/210

[2] لسان العرب مادة خمر  4/258

[3] انظر: تهذيب اللغات، ق 2 ج1 ص /98 – 99.

[4] انظر: المفردات ص/159.

[5]  انظر: المفردات ص/159.

[6] انظر: فتح القدير 5/79- 80- 81.

[7] انظر: تهذيب اللغات، ق 2 ج1 ص/99.

[8] انظر: تفسير القرطبي 6/295.

[9] أخرجه مسلم (3/1588، رقم 2003) ، وأحمد (2/29، رقم 4831) ، وابن حبان (12/188، رقم 5366) ، والترمذى (4/290، رقم 1861) ، وقال: حسن صحيح. والنسائى فى الكبرى (3/212، رقم 5093) ، وأبو داود (3/327، رقم 3679) وغيرهم

[10] ومنه ما رواه البخاري ومسلم (إن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر)

[11] البخاري 10/39.

[12]  انظر  شرح السنة 11/351 – 353

[13] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال أتانى جبريل فقال يا محمد إن الله لعن الخمرَ وعاصرها ومُعْتَصِرَها وشاربها وحاملها والمحمولةَ إليه وبائعها ومُبْتَاعها وساقيها ومُسْقِيَها. أخرجه أحمد (1/316، رقم 2899) ، والطبرانى (12/233، رقم 12976) . قال الهيثمى (5/73) : رجاله ثقات. والحاكم (2/37، رقم 2234) ، وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبى. وغيرهم

[14] المهذب / 18/ 448.

[15] فتح الباري لابن حجر، باب الضرب بالجريد والنعال، 12/72

[16] سنن أبي داود، الحدود (4488)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 88).

[17] سنن أبي داود الحدود (4476)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 322).

[18] سنن أبي داود الحدود (4476)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 322).

[19] فتح الباري، باب الضرب بالجريد والنعال، 12/72

[20] أخرجه البخارى (6/2488، رقم 6396) ، ومسلم (3/1332، رقم 1707) ، وأبو داود (4/165، رقم 4486) ، وابن ماجه (2/858، رقم 2569) ، وعبد الرزاق (7/378، رقم 13543) ، وأحمد (1/130، رقم 1084) ، وغيرهم

التعليقات

    • من الصعب فهم ما توصلت إليه، والصحيح أن النبي كان يعاقب شارب الخمر عندما يصدر منه ما يسيء الناس، وكانت العقوبة تختلف بمقدار ما يتركه من أذى، هذا هو المفهوم من مجموع الأحاديث الواردة في هذا الباب

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.