حبل الله
ملخص الكتاب

ملخص الكتاب

ملخص الكتاب

جعل الله تعالى دين الإسلام المنهج المتكامل للحياة البشرية. وهو دعوة جميع الأنبياء والمرسلين التي ختمت بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والقرآن الكريم الذي أنزل عليه هو النسخة الأخيرة المصدقة للكتب الإلهية والمهيمنة عليها.

وقد أمر الله تعالى في القرآن الكريم بالعدالة إلى جميع الناس، والاحسان إليهم ودعى المؤمنين إلى حفظ السلام، وأن يوفوا بالعهد من أجل السلام.[1] وأمر المؤمنين أن يقاتلوا في سبيل الله لمنع الاعتداء والظلم ولتوفير الأمن الإجتماعي قال الله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (سورة البقرة، 2 / 190).

ونهى الله تعالى المؤمنين المقاتلين أن يأسروا من جنود العدو قبل تدمير القوة المؤثرة لهم، ثم بعد ذلك أجاز الأسر المؤقت. ثم أمر أن يطلق سراح الأسرى مقابل فدية أو بدونها منا لهم.[2] كما جاء بشروط لمن أراد أن يستمتع من الأسيرات مثل عقد النكاح برضاهن وغيرها من الشروط اللازمة لنكاح الأسير / الجارية. والأهم من ذلك أن الله تعالى أمر بالاحسان والرفق بالأسرى والجواري كما أمر بالإحسان للوالدين. قال الله تعالى: « وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا» (سورة النساء، 4 / 36).

كما أشرنا سابقا أن الأسيرات الجواري من النساء اللوائي يجوز النكاح منهن بعقد صحيح. وقد بين الله تعالى في القرآن الكريم كثيرا من الأحكام المتعلقة بالجواري وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطبيقها بين أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. فعلينا أن نقف على هذه المسألة لأن هناك أسبابا كثيرة تدعونا لذلك. ويمكننا أن نذكر تلك الأسباب على نقاط ثلاثة:

موضوع الجواري والاستغلال الجنسي لهن لم يفهم وفقا للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أو فهم ولكن لم ينعكس ذلك الفهم توثيقا في المصادر الفقهية ولم يطبق على شكل صحيح، وقد أدى ذلك إلى سوء المعاملة تجاه الجواري وتشويش إيمان المسلمين ولا يزال يشوش العقائد الإيمانية عند المسلمين.

نرى في المصادر الفقهية الحديثة تقديم أفكار مخالفة للقرآن والسنة حول العبد والأمة مثل جواز بيع العبد على الوجه العام وشراء الجواري للمتعة الجنسية على وجه الخصوص. وهو مما يؤدي إلى تشويه سمعة الثقافة الإسلامية. ويظهر لنا خطورة الأمر بمجرد البحث في الشبكة العنكبوتية عما يتعلق بالعبد والجارية.

معرفة مسألة الجواري وفقا للقرآن والسنة النبوية الشريفة فرض على الكفاية. لأن الحروب تستمر حتى تقوم الساعة وبالتالي فإن الأسرى والأسيرات / الجواري لا يجوز استرقاقهم واستغلال الجواري جنسيا.

الجواري في الفقه التقليدي

نقول وكلنا أسف؛ قد تشكل في الفقه الإسلامي التقليدي في الجواري والعبيد هيكل مخالف للإسلام، حيث أجيز فيه استرقاق الأسرى والمتعة الجنسية من الجواري بدون عقد النكاح الشرعي. غير أن معظم الجواري والعبيد تم عتقهم وعوملوا بالاحسان والرفق. ومع الأسف الشديد قد استمر هذا الهيكل الاستعماري على مر العصور في البلدان الإسلامية ولا يزال مستمرا من الناحية النظرية. وقد استمر الاسترقاق والاستغلال الجنسي للجواري عصورا طويلة في أوربا بطريقة أكثر وحشية، ولا يزال مستمرا على شكله المعاصر.

الجواري في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة

ويمكننا أن نلخص ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في العبيد على وجه العموم والذين تم استرقاقهم من الأسرى والأسيرات على وجه الخصوص على النحو التالي في ضوء ما ذكرنا في هذا الكتاب من الحقائق العلمية الثابتة بالأدلة القاطعة:

لقد الغى الإسلام العبودية الموروثة من الجاهلية ومن التاريخ وجاء بنظام الأسرى الذي يحتوى القواعد السامية التي تعيد للإنسان كرامته.

والتطبيقات المتعلقة بالعبيد في المصادر الإسلامية التي تعود إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت خاصة بمن انتقل من العهد الجاهلي من العبيد. لأن المجتمع الإسلامي الذي كان يحكمه النبي صلى الله عليه وسلم لم يُسترق فيه أحد ممن وقع أسيرا في أيدي المسلمين نتيجة حروب مشروعة. بل تم اطلاق سراح الأسرى في مدة قصيرة مقابل فدية أو بدونها منا لهم.

الدين الإسلامي الذي لا يدعوا إلا لعبادة الله وحده، شاهد العبودية التي تم تأسسيها قبل الإسلام بعيدة عن التعاليم الإلهية فقام بإلغائها وجاء مكانها بـ “نظام الأسرى في الإسلام” الذي يأذن بالأسر في الحروب المشروعة بعد تدمير القوى الطاغية للأعداء وتخريب الأهداف الاستراتيجية الهامة لهم، لمنع نشوب الحرب من جديد، وتوزيع الأسرى بين المقاتلين إذا طلب الأمر ذلك. ولكنه  يحرم استرقاق الأسرى وقتلهم ويأمر باطلاق سراحهم مقابل فدية أو بدونها منا لهم، إلا مجرم الحرب فيقتل جزاء بما كسب كما هو الحال في القانون الدولي المعاصر.

كما جعل الإسلام العتق بشتى المناسبات كالاحسان له بعتقه أو القيام بالعتق كفارة لما صدر منه مما يوجب الكفارة، من الواجبات الإيمانية والأخلاقية والحقوقية.

العبودية التي تعني التأله على الإنسان والتي ألغاها الإسلام، لن تكون مشروعة حتى ولو عن طريق المعاملة بالمثل.

الجارية هي أسيرة الحرب المؤقتة. [3]

ولا يجوز الاستمتاع منهن عن طريق ملك اليمين خلافا لما هو معروف في الكتب الفقهية على جميع المذاهب الإسلامية.

 وقد حرم الإسلام الاستغلال الجنسي للجواري، وأجاز نكاحهن لمن توفرت فيه الشروط اللازمة لنكاح الجارية وحث على نكاحها لمن توفر فيه الشروط.[4]

وفي المجتمع الإسلامي تكون الجارية تحت تصرف السلطة المعنية من قبل الحكومة أو الأشخاص فيجوز النكاح من الجواري الكتابيات لمن يخاف العنت ولا يستطيع أن ينكح الحرة المسلمة، ويشترط في النكاح إذنها، وإذن الولي (أي من يشرف عليها من السلطة المعنية أو الأشخاص المعنيين) والصداق.[5]

ولا يجوز للشخص أن يستمتع من جاريته إلا بعقد النكاح الصحيح بشرط أن يكون غير متزوج وبإذنها وإذن وليها من السلطة المعنية أو الأشخاص المعنيين وبالصداق وأن يكون صداقها عتقها. وبالدخول تصبح الجارية حرة لكون الاستمتاع عوضا عن الملكية.

ويجوز للمسلم الحر، أن يقدم المسلمات المحصنات على الكتابيات المحصنات في النكاح من الجواري؛ كما يجوز للمسلمة المحصنة أن تنكح من تملك من الأسرى المسلمين المحصنين أو من هو تحت تصرف غيرها من المسلمين والمسلمات.

الجارية المسلمة مكلفة مثل الحرة المسلمة تماما في الستر. لأنها تدخل ضمن من أمرن بالتستر من نساء المؤمنين والمسلمات.[6]

الأسر مؤقت، ولا يمكن أن يستمر طويلا في مجتمع دستوره القرآن والسنة النبوية الشريفة، واسترقاق الأسرى هو إدعاء الألوهية على الآخرين، وشرك في حكم الله تعالى.

ولا يقبل الإسلام أن يكون الإنسان الذي أكرمه الله وخلق له ما في السموات والأرض وفضله على من خلق تفضيلا أن يكون حتى جزء منه موضوعا للتجارة. إلا نقل حق التصرف لمن يملك أسيرا حتى يتسنى له دفع الفدية ويتخلص بذلك من الأسر. مع وجود كثير من الأسرى والجواري قد تم عتق نصفه فلا يصلح أن يكون موضوعا لنقل التصرف عليه أيضا.

والجارية محفوظ لها دمها وعرضها والحقوق الأساسية مثل حرية الاعتقاد والدين؛ ولها أن تملك الأموال وأن ترث وتورث، بقطع النظر عن معتقداتها.

وعلى الجارية المسلمة ما على الحرة المسلمة من الواجبات، فلا نص يخصصها في واجب من الواجبات ما عدا عقوبة الزنا وإذن الولي في الزواج. والقول بأن لا تخرج لصلاة الجمعة وتؤدي الزكاة وتحج بيت الحرام وتخرج للجهاد في سبيل الله في حالة التحرك العام ضد القوى المعتدية، ليس من حيث المبدأ؛ بل مرتبط بالشروط كما في النساء الأحرار.

كل من يتركب جريمة تجاه الجارية يعاقب كارتكابه تجاه الحرة سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة بقطع النظر عن دينها. غير أن حد الزنا ينصف لها فتجلد خمسين جلدة. أما الحدود الأخرى مثل حد السرقة وحد القتل فتقام عليها تاما كما تقام على الحرة.

يستمر حكم القرآن الكريم على الجواري كأسيرات حرب إلى يوم القيامة، فلا يجوز اسرقاقهن ولا الاستغلال الجنسي لهن كما لا يجوز جعلهن سلعة تباع وتشترى.

وبعد هذا البيان الملخص ذا الطابع العام ننتقل إلى بيان عدم جواز استرقاق الجواري اللوائي هن في الأصل أسيرات الحرب ولا الاستغلال الجنسي لهن أو الاستمتاع منهن بمجرد ملك اليمين إلا أن يكون بعقد النكاح الصحيح مستدلا بالآيات القرآنية…

الآيات التي تدل على أن الطريق الوحيد في استمتاع الجواري هو النكاح

الأمر بالإنكاح في الآية الثانية والثلاثين من سورة النور.

الطريق الوحيد في الاستمتاع من الجواري في القرآن الكريم هو النكاح. قال الله تعالى: «وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (سورة النور، 24 / 32). يأمر الله تعالى بمد يد المساعدة ، بكل الوسائل ، لمن أراد التزوج ، ولا زوج له من الأحرار والحرائر ( الأيامى منكم – والأيم هو من لا زوج له ذكرا أو أنثى ) القادر على النكاح ، والقيام بحقوق الزوجية ، من الصحة والمال ، وغير ذلك. وكذلك الصالحين من العباد (مسلما أو كتابيا) والصالحات من الإماء (مسلمة أو كتابية).

كما هو بين في الآية أن من ضمن المأمورين بالإنكاح بهن الأسرى والأسيرات. وردت في الآية نقتطان مهمتان إحداهما: الأمر للسلطة المعنية من قِبل الحكومة أو الأشخاص المعنيين بالإنكاح. والثانية: عدم جواز المتعة الجنسية للجواري بمجرد ملك اليمين إلا بعقد النكاح الصحيح مع توافر الشروط اللازمة كما سيأتي بالأمثلة.

ومن الضروري أن يعلم الجميع جيدا أنه لا يوجد في القرآن الكريم ولا في التطبيقات النبوية الشريفة ما يدل على جواز الاستمتاع من الجواري بمجرد ملك اليمين بدون عقد النكاح الصحيح.

الأمر بنكاح النساء (حرة أو أمة) في الآية الثالثة من سورة النساء

قال الله تعالى: «وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا» (سورة النساء، 4 / 3). وفي هذه الآية جاء الأمر بالنكاح من ملك اليمين، أي تزوجوا ممن تملكون من الإماء إذا لم تستطيعوا الزواج من الحرائر. وهذا يدل على عدم جواز وطء الرجل جاريته بمجرد ملك اليمين فلا بد من عقد النكاح الصحيح.

الأمر بالنكاح من الجواري مع بيان الشروط وذلك في الآية الخامسة والعشرين من سورة النساء

قال الله تعالى: « وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (سورة النساء، 4 / 25). أي أن من لم يستطع من ناحية المال، والقدرة على الإنفاق أن يتزوج الحرائر العفيفات المؤمنات (المحصنات بالحرية) فإنه يستطيع أن يتزوج الإماء المؤمنات، اللاتي يملكهن المؤمنون مع توافر الشروط المذكورة.

كما أن هذه الآية جاءت لتؤكد وتفصل ما جاء في الآيتين إحداهما الآية الثانية والثلاثين من سورة النور والأخرى الآية الثالثة من سورة النساء من الأمر بنكاح الإماء وعدم جواز الاستمتاع منهن بمجرد ملك اليمين.

نفهم من هذه الآية أن من لا يستطيع من المسلمين أن ينكح حرة فله أن ينكح الجارية العفيفة (مسلمة أو كتابية) بإذن وليها أي من له حق التصرف عليها من السلطة المعنية أو الأشخاص المعنيين. وكذلك يجوز للرجل أن ينكح جاريته العفيفة بإذنها وإعطاء صداقها (وصداقها عتقها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم). ذلك في حالة خوفه من الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج. وإلا فعليه بالصبر حتى يغنيه الله تعالى لينكح الحرة. وقد وردت في الآية ست شروط لا بد من توافرها لمن يريد أن ينكح الجارية.

وهنا نقطة نود أن نشير إليها:

لا يجوز نكاح الحرة على الجارية مثلما لا يجوز نكاح الحرة على الجارية كما نفهم ذلك من الآية الخامسة والعشرين من سورة النساء. وبعبارة أخرى لا يجوز الجمع بين الجارية والحرة تحت نكاح واحد. وعلى هذا لا يجوز نكاح الأمة / الجارية على الحرة فضلا عن اتخاذ الجواري بلا عدد مع وجود الزوجة الحرة في عصمته.

والأداة (أو) في الآية الثالثة من سورة النساء وفي قوله تعالى في سورة المؤمنون: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ» (سورة المؤمنون، 23 / 5-6)، تفيد الترجيح. أي على الرجل أن ينكح الحرة فإذا لم يستطع  فمن الجارية، فلا يجوز له أن يجمع في عصمته بين الحرة والجارية.[7]

والمعلومات المتعلقة بالوضوع بما فيها هاتان الآيتان (الخامسة والسادسة من سورة المؤمنون) والأحكام القرآنية يمكن الحصول عليها من كتابنا المذكور أعلاه. وكما رأينا واضحا أن الإسلام لا يجيز إقامة العلاقة الجنسية حتى ولو مع الجارية إلا عن طريق عقد النكاح الصحيح، ومن فعل ذلك يعاقب في الدنيا والآخرة.

وننهي هذا الباب بحديث النبي صلى الله عليه عن أنس بن مالك قال كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه: الصلاة . وماملكت أيمانكم.[8]

المعلومات التاريخية الضرورية

وقد كان استرقاق الأسرى والاستغلال الجنسي للجواري في العالم الإسلامي خلافا للتعاليم الإسلامية ومع وجود السلبيات العامة في المعاملة تجاه الرق كان الرفق بهم والعتق والاحسان إليهم والعدل معهم يعتبر من المكارم التي تؤدي الجنة.

وقد انتشرت العبودية في العالم خلافا لتعاليم موسى وعيسى عليهما السلام؛ لأن التوراة المحرفة والإنجيل المحرف[9] وآراء الفلاسفة مثل آرسطو وأفلاطون كانت ترى العبودية شيئا طبيعيا، يمكن توارثها عبر التاريخ و استغلالها كموارد للقوى العاملة. ومع الأسف الشديد استمرت قرون طويلة بكل أشكالها البشعة ولكن كان المجتمع الإسلامي أكثر مرونة ومروءة من غيره من المجتمعات.

كان الرق بمثابة حيوان يباع ويشترى، ويتعرض للإضطهاد والتعذيب حتى قتله لم يكن يعتبر ذنبا. وقد شهدت العبودية أشد معاناة الظلم في تاريخها مع بداية العصر الحديث وانكشاف القارة الأمريكية.

 وبما توارث من الأسلاف في استعباد الناس أخذت اسبانيا والبرتغال وبريطانيا وفرنسا وايطاليا مئات الآلف من الناس الأفارقة واستعبدوهم وكان معظمهم من المسلمين. وما بين القرن السادس عشر والتاسع عشر تم حمل ملايين من الأفارقة إلى أمريكا (قام الأمريكون بإبادة المحليين من الهنود الحمر وما بقي منهم إلا القليل) عبر الطرق البحرية وقد مات كثير منهم أثناء الرحلة، واستعبد من بقي منهم على قيد الحياة. وأجبر على الأعمال الشاقة تحت ظروف سيئة للغاية. وقد ناضلوا من أجل الحرية ولكن بات النضال فاشلا أمام القوى الطاغية الغاشمة حيث رزحوا تحت نير العبودية ما يقرب من أربعة قرون.

وحين قلت الحاجة إلى القوى العاملة البشرية نتجة للإنقلابات التكنولوجية وأصبح من الصعب توفير الحاجات الحياة اليومية من مأكل ومسكن وملبس ورعاية صحية لهم، أعلنت القوى الطاغية _التي كانت تستعبد الأحرار_ حربا ضد العبودية. وبمعنى آخر كانت الحرب ضد العبودية من أجل تحقيق الأهداف الإقتصادية أكثر من أن تحقق الحقوق الإنسانية. وفي نهاية المطاف ألغيت العبودية شكليا ولكن حلّ مكانها العبودية المعاصرة الحديثة بلباس آخر. وما زالت مستمرة بأبشع أشكالها.[10] ومن الجدير بالذكر أن في أوربا حتى القرن التاسع عشر كانت المرأة الحرة فضلا عن الأمة لم تكن تحظى بالمواطنة؛ أي أنها لم تكن فردا من المجتمع.

وفي أوائل القرن التاسع عشر لن تكن للمرأة أي حقوق. كانت لأسرتها ولزوجها. وكان زواجها بمثابة البيع والشراء. ولم تكن لها حق التصويت. ولا تكون طرفا في العهد والمصالحة. وإذا تزوجت لم تكن تملك مالا. وكل ما تملكه هو ملك زوجها. كما لم يكن لها الحق على أولادها وحتى كانت لا تملك نفسها وبدنها. وكان من حق الزوج أن يضرب زوجته، ويحبسها في البيت بدون أي مانع قانوني. كما كانت المرأة تجبر على العمل من قبل أصحاب الصناعة، بأدنى درجة من العاملين.[11]

وعندما ظهرت الثورة ضد العبودية التقليدية في أوربا من أجل المصالح الإقتصادية من ناحية وتلبية للفطرة التي ترفض العبودية من ناحية أخرى، كان العالم الإسلامي يغط في سبات عميق بعيدا عن التفكير في إلغاء العبودية. وما زال الأمر على ما هو عليه من الناحية النظرية والفكرية بسبب المزاعم الشائعة أن الإسلام يقبل العبودية مع عدم حثه عليها.

ومن أجل ذلك لم يستطع الفقه الإسلامي التقليدي أن يقدم إلى إتفاقية الجنيف “نظام الأسرى في الإسلام” كنظام بديل للعبودية أو استرقاق الأسرى. أليس ذلك من حق الإسلام الحنيف الذي يدعو إلى الحرية. ولنا فيما قاله ربعي بن عامر لكسرى ملك الفرس مثلا حسنا حيث قال: ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه.[12]



[1]  أنظر: سورة الممتحنة، 60 / 8؛ سورة البقرة، 2 / 208؛ سورة التوبة، 9 / 4.

[2]  أنظر سورة محمد، 47 / 4.

[3]  وقد قمنا بدراسة هذه الواجبات في الكتاب المذكور سابقا تحت هذه العناوين: اطلاق سراح الأسرى:

عن طريق صرف الزكاة كمصدر اقتصادي. (سورة التوبة، 9 / 60).

عن طريق المكاتبة. (سورة النور، 24 / 33).

عن طريق الكفارة عن القتل الخطأ. (سورة النور، 24 / 92)

عن طريق كفارة اليمين والظهار. (سورة المائدة، 5 / 89؛ سورة المجادلة، 58 / 3-4).

ابتغاء مرضاة الله تعالى. (سورة البلد، 90 / 13…).

بسبب سوء معاملة السيد لعبده. (صحيح مسلم، كتاب الأيمان 30-33).

بسببب القرابة بين السيد والعبد. (سنن ابن ماجة، رقم الحديث: 2525).

وفاء للوصية. (صحيح مسلم، كتاب الأيمان 12).

[4]  سورة النساء، 4 / 3، 25؛ سورة النور، 24 / 32.

[5]  سورة النساء، 4 / 25.

[6]  سورة الأحزاب، 33 /  59؛ سورة النور، 24 / 31.

[7]  أنظر: سورة النساء، 4 / 3؛ وسورة المؤمنون، 23 / 5-6.

أ. إذا استعملت كل من ” الأزواج” و “ما ملكت الأيمان”، في مكان واحد، تعني الأولى الأزواج من الأحرار والحرائر. أما “ما ملكت الأيمان” فتعني الأزواج من الأسرى والأسيرات. غير أنها الفاظ تشمل في عمومها على الرجال والنساء على حد سواء.

ب. وقد أوردنا معلومات كافية في هذه المسألة عند شرح الآيتين الخامسة والسادسة من سورة المؤمنون.

لا يفهم من هاتين الآيتين من سورة المؤمنون المكية  جواز التمتع من الجواري بمجرد ملك اليمين خلافا لما هو معروف في الكتب الفقهية. كما لا يفهم من الآية التاسعة والعشرين من سورة الروم المكية كون الربا حلالا مع الآية السابعة والعشرين بعد المائتين من سورة البقرة التي تدل على تحريم الربا قطعيا؛ لا يمكن أن نفهم من الآيتين الخامسة والسادسة من سورة المؤمنون كون المتعة الجنسية من الجارية بمجرد ملك اليمين بدون عقد النكاح الصحيح حلالا، مع وجود الآية الثالثة  والخامسة والعشرين من سورة النساء والآية الثانية والثلاثين من سورة النور التي تدل على تحريم المتعة الجنسية من الجارية إلا بعقد النكاح الصحيح.

والرسالة الرئيسية التي وجهت إلى المسلمين بتلك الآيات، هي تحريم الزنا والشذوذ، كما تدل على كون الزوجات من الحرائر كما  يكن من الجواري / الأسيرات، ولا يجوز الاستمتاع من الزوجات (حرة أو جارية) إلا من مكان الحرث. كذلك أن أداة “أو” التخييرية تفيد عدم جواز نكاح الحرة على الأمة و كذلك العكس.

فالآيات المذكورة تأتي بأجوبة شافية على الأسئلة من قبيل كيف تتخذ الجواري وهل يشترط إسلامها في زواجها وهل يجوز الجمع بين الجاريتين بينهما صلة القرابة مثل أن تكون الواحدة أختا للأخرى أو أما لها، وهل يجوز وطؤها وهي حائض أو ممارسة الجنس الشفوي معها، وتبين كذلك حكم الشذوذ بين المالك والمملوك أو المالكة والمملوكة. كما تبين ضرورة النكاح في الاستمتاع من الجواري مع توافر الشروط اللازمة.

ولو درسنا الآيات المذكورة من الزاوية التي تعالج قضايا المرأة نفهم قطعيا أنه لا يجوز لرجل (حرا أو مملوكا)  إقامة العلاقة الجنسية مع امرأة (حرة أو جارية) إلا عن طريق عقد النكاح الصحيح. كما بين الله ذلك بشكل مباشر في الآية الثانية والثلاثين من سورة النور والآية الثالثة، والآية الخامسة والعشرين من سورة النساء.

[8]  سنن ابن ماجة، رقم الحديث: 2697.

[9]  يوجد في العهد القديم والجديد أكثر من 300 نص تجعل العبودية مشروعة. (أنظر: سلسلة الكتاب المقدس، شركة الكتاب المقدس، اسطنبول 2004 ص. 1334 = مطبوعة  باللغة التركية).

[10]  سيلفيان أ. ضيوف، جامعة نيويورك، عباد الله (الذين استعبدوا في قارة أمريكا من مسلمي افريقيا) دار بيان للنشر والتوزيع اسطنبول، 2010 (نقلا من كتاب “العبيد المسلمون في إيطاليا المعاصرة، سلفاتوري بونو، دار إلَتيشم، اسطنبول 2003)

[11]  A.Coote, T.Gill, Women’s Righs: A Practical Guide, Penguine, 1974, s.15-16.

[12]   ذكرها ابن كثير في البداية و النهاية / الجزء السابع / غزوة القادسية.

التعليقات

  • وهذا موضوع واسع يحتاج توضيحه إلى مجلدات. ومن الواضح أنّ فهم تاريخ العبودية والتطبيقات المتعلقة بها في العالم مهم للغاية لمعرفة عظمة الثورة التي أحدثها القرآن والسنة فيها. قلنا القرآن والسنة لأن الفقه الإسلامي التقليدي يختلف عنه جوهريا. ولكنا نكتفي بما نوجزه في السطور التالية وبتوصية القراء مطالعة بعض الكتب المتعلقة بموضوع العبودية والإستغلال الجنسي للجواري – الأسيرات – وهي من أعظم الجرائم التي إرتكبها البشر العصاة تجاه بني جنسهم الذين خلقهم الله تعالى بأحسن تقويم وفضلهم على كثير من المخلوقات.

  • جزاكم الله خيرا على هذا التوضيح الذي لايدع مجالا للشك
    انا كان عندي يقين. انه لايجوز الاستمتاع بملك اليمين دون زواج بنص القرآن الكريم {فانكحوهن بإذن أهلهن} لكن لم استطع فهم بقية الآيات
    مشكورين على هذا التوضيح ولا شك أبدا أن دين الله يحرم العبودية لغيره تعالى، هكذا وضحت الصورة.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.