حبل الله
الدعوة إلى الصبر

الدعوة إلى الصبر

الصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه، فالصبر لفظ عام، وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه؛ فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرا لا غير، ويضاده الجزع، وإن كان في محاربة سمي شجاعة، ويضاده الجبن، وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر، ويضاده الضجر، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا، ويضاده المذل، وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبرا، ونبه عليه بقوله: {والصابرين في البأساء والضراء} (البقرة، 177)، {والصابرين على ما أصابهم} (الحج، 35)، {والصابرين والصابرات} (الأحزاب، 35)[1].

 (والصَّبُور) من أسماء اللّه تعالى أي الذي لا يُعاجل العُصَاة بالانْتِقام وهو من أبْنِية المُبالغة ومعناهُ قريبٌ من معنى الحَلِيم والفرقُ بينهما أنَّ المُذْنب لا يأمَنُ العُقُوبة في صِفَة الصَّبُور كما يأمَنُها في صِفَة الحَلِيم، ومنه الحديث (لا أحَدَ أصبَرُ على أذًى يَسْمَعُه من اللّه عز وجل)[2] أي أشدُّ حِلماً عن فاعِل ذلك وتَرْكِ المُعاقبة عليه. وفي حديث الصوم (صُمْ شهر الصَّبر) هو شهرُ رمضان . وقد روي (أنه نَهى عن قَتْل شيء من الدَّواب صَبْرا) هو أن يُمسَك شيءٌ من ذوات الرُّوح حيَّا ثم يُرْمى بشيء حتى يموت[3].   

لقد دعت الأيات الكريمة إلى الصبر، وبينت أن الله سبحانه وتعالى مع الصابرين، لا يخذلهم ولا يسلمهم. قال الله تعالى:

1_ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة، 153)

2_ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}  (الأنفال، 46)

3_ {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة، 249)

4_ {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال، 66).

فالصبر خلق إسلامي كريم هو أساس الإلتزام بأوامر الله تعالى، واجتناب ما نهى عنه، وقد حثنا الله سبحانه وتعالى عليه في جميع أمور حياتنا ووعد الصابرين الأجر الجزيل في الدنيا والآخرة.


[1] المفردات للراغب الأصفهاني، مادة صبر

[2] روي هذا الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ أَحَدٌ أَوْ لَيْسَ شَيْءٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ) صحيح البخاري، باب الصبر على الأذى، 6099

[3] النهاية في غريب الأثر، 3/9 

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.