حبل الله
الصلاة قبل نزول آية الوضوء

الصلاة قبل نزول آية الوضوء

السؤال: نحن نعرف أن الآية التي تأمر بالوضوء نزلت في المدينة، وعلى هذا هل كان النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يصلون قبل الهجرة أو قبل نزول تلك الآية بدون وضوء؟ أرجو التوضيح وشكرا لكم.

الجواب: عرف النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الوضوء قبل نزول آيته ، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا» (النساء، 43) فهذه الآية نزلت قبل آية الوضوء، وهي صريحة بأنه إذا لم يجد المسلم الماء فعليه بالتيمم، ولا يمكن أن يأمر الله تعالى بالبديل عند عدم وجود الأصل إلا إذا كان الأصل معلوما، وهذا من بدهيات الأمور.

وقد كان النبي والمسلمون يتوضؤون للصلاة في مكة قبل أن تفرض الصلاة على هيئتها التي عرفوها لاحقا، لأن الوضوء للصلاة كان شريعة الأنبياء من قبل، وليس شرعة في الإسلام وحسب. فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، فَقَالَ: «هَذَا وَظِيفَةُ الْوُضُوءِ» أَوْ قَالَ " وُضُوءٌ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْهُ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً، ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وُضُوءٌ مَنْ تَوَضَّأَهُ، أَعْطَاهُ اللَّهُ كِفْلَيْنِ مِنَ الْأَجْرِ» ، ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، فَقَالَ: «هَذَا وُضُوئِي، وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ مِنْ قَبْلِي»[1]

ويؤيد هذا ما رواه أصحاب السيرة في كتبهم وما تناقله الناس من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الوحي إليه، فقد روى ابن هشام (أَنَّ الصَّلَاةَ حِينَ اُفْتُرِضَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ عَيْنٌ، فَتَوَضَّأَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إلَيْهِ، لِيُرِيَهُ كَيْفَ الطُّهُورُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَأَى جِبْرِيلَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ بِهِ جِبْرِيلُ فَصَلَّى بِهِ، وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلَاتِهِ، ثُمَّ انْصَرف جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام)[2].

وقد يسأل سائل إذا كان الوضوء معلوما فلماذا نزلت به آية خاصة، والإجابة على ذلك حتى تعلم الأجيال كلها فرضيته ولا يبقى لأحد حجة في جحده ونكرانه، ولتثبيت أركانه الأربعة الواردة نصا في الآية، وهذا من رحمة الله بنا وتوفيقه كي لا نزيع عن أمره.

 


[1]    سنن ابن ماجة، باب ما جاء في الوضوء، رقم الحديث 420، ورواه أحمد وغيره من رواة الحديث وفي إسناده ضعف.

[2]    سيرة ابن هشام، تَعْلِيمُ جِبْرِيلَ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ 1/244 . وقد ورد هذا الخبر في كثير من كتب السيرة كالسيرة الحلبية وسيرة ابن اسحاق وفي أعلام النبوة للماوردي.

 

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.