حبل الله
16. تحريف الكتاب

16. تحريف الكتاب

تحريف الكتاب

قال الله تعالى: «أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون» (البقرة، 2/75).

التحريف أصله حرف. والحرف من كل شيء طرفه وشَفِيرُه وحَدُّه.[1]وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الإحتمال يمكن حَملُه على الوجهين.[2]

والتحريف الذي حرَّمَهُ القرآن هو صرف الكلام عن معناه المعتاد إلى معنى محتمل طعنا في الدين، ونوضح معنى التحريف بهذه الآية مع ضرب الأمثلة ليسهل الفهم؛ قال الله تعالى: «من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لياً بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرًا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً» (النساء، 4/46).

في هذه الآية ثلاث جمل، لكل واحدة منها معنيان متضادان.

«سمعنا وعصينا»، تقول التفاسير كلها إن معناها “سمعنا وعصينا”؛ أي: ما أطعنا. ولكن المعنى الصحيح عندي سمعنا وتمسكنا بالقوة، لأن كلمة “عصى” تأتي بمعنى العصيان أي ضد الطاعة. وكذلك بمعنى الأخذ بالقوة كأخذ العصى.[3]

ولو أنهم قالوا: «سمعنا وأطعنا» لكان خيرا لهم، لعدم إمكانية التحريف في هذه الحالة.

«واسمع غير مسمع» والمعنى الأول لها، اسمع ولا يليق بنا أن نُسمِعَكَ الكلام. والآخر؛ اسمع أيها الذي لا يسمع الكلام. لو قالوا «اسمع» فقط لكان خيرا، لأنه لا مجال للتحريف فيها.

و«راعنا» المعنى الأول لها؛ هو أن فعل راعنا من رعى يرعى فيه تعريض على رسول الله، كأنهم قالوا له: «أنت تريد أن ترعانا كما يرعى الحيوان، فارعنا إذن». كما أنهم قصدوا بقولهم «راعنا» راع الأغنام، بمد حرف العين. وكذلك يمكن أن يكون «راعنا» من راعى يراعي بمعنى الإهتمام والنظر إلى حالهم. فلذلك كان قولهم: «انظرنا» أحسن من قولهم «راعنا» لأنها لا تحتمل التأويل.

ويتبين مما سبق أنهم قصدوا بأقوالهم معناها الظاهر وأبطنوا المعنى الثاني المحتمل. لذا قال الله تعالى:  «ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم» ولكن لعنهم الله تعالى بما أخفوا في صدورهم من الطعن في الدين.

ولا يمكن أن يكون التحريف في القرآن الكريم إلا على هذا الشكل. لأنه محفوظ في قلوب الملايين من الناس ومطبوع بلا عدد. وفوق ذلك كله فأن الله تعالى قد وعد وتعهد بحفظه.

وقوله تعالى في الآية الكريمة: «لياً بألسنتهم وطعنا في الدين» يدل على أنه يشترط في وقوع التحريف سوء النية. فالأخطاء في ترجيح المعنى للألفاظ متعددة المعاني، أو الخطأ في القراءة بسبب الجهل أو النسيان ليس من التحريف في شيء.



[1] تاج العروس مادة: حرف.

[2] مفردات ألفاظ القرآن مادة: حرف.

[3] أنظر: الصحاح للجوهري، وتاج العروس للزبيدي، ولسان العرب لابن منظور الإفريقي.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.