حبل الله
22. صلاة الحائض وصيامها

22. صلاة الحائض وصيامها

أمر الله تعالى كل مسلم بإقامة الصلاة بوقتها المحدد بقوله تعالى:

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ‌كِتَابًا ‌مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103] 

وقد بين أوقاتها بقوله:

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ‌طَرَفَيِ ‌النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: 114] 

تبين هذه الآية أن الله تعالى فرض على المؤمنين صلاتين في النهار، وثلاثة في الليل، لأن زلفا جمع زلفة وأقل الجمع في العربية ثلاثا، فينصرف الأمر إليه.

وقد فصلت الآية التالية وقتي النهار وأوقات الليل الثلاثة:

﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ ‌لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: 78] 

وقوله تعالى: « أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» يبين وقت صلاة الظهر التي هي أول صلاة اليوم. ونفهم من قوله تعالى: «طرفي النهار» أن وقت العصر ينتهي بغروب الشمس، لأنه بغروبها ينتهي النهار ويبدأ الليل.

والزُّلْفةُ الطائفةُ من أَوّل الليل أو آخره، والجمع زُلَفٌ وزُلَفاتٌ، وهي أوقات من الليل قريبة من النهار[1]، الزلفةُ الأول وقت المغرب، والثانية وقت العشاء، والثالثة وقت الصبح.

وقد أمر الله تعالى المكلفين بالمحافظة والدوام على الصلاة في أوقاتها المعلومة:

﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ ‌يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: 9، المعارج 34] 

﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ ‌دَائِمُونَ﴾ [المعارج: 23] 

ولم يذكر الله تعالى أن هناك معذورين بتركها، ولو كان هناك من يعذرون بتركها لبينهم الله تعالى كما فعل في الصيام مثلا، فبعد أن بيَّن أن الصيام واجب على كل من شهد رمضان ذكر أن المريض والمسافر يمكنهما الإفطار على أن يقضيا بعد رمضان بعدد الأيام التي أفطراها.

أما الصلاة فقد شرعها الله تعالى لذكره ودوام الاتصال به فلا يحرم منها أحد:

﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ‌وَأَقِمِ ‌الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14] 

﴿‌وَأَقِمِ ‌الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114] 

ولا يوجد من عباد الله من هو مستغن عن دوام ذكر الله تعالى، لذا بين الله تعالى أحكامها في السفر والخوف والمرض؛ فيؤديها المريض بالشكل الذي يستطيعه، ولا تسقط عنه ما بقي حيا عاقلا. ولا يوجد دليل قرآني يستثني أحدا من هذا الفضل بمن فيهم المرأة الحائض أو النفساء، وبالتالي فإن الروايات التي وردت بتحريم الصلاة على الحائض والنفساء لا أصل لها في كتاب الله تعالى، وهي بذلك تخرج عن كونها حكمة نطق بها نبينا الكريم.

وقد تمسك قوم بالآية التالية كدليل على عدم جواز الصلاة للحائض:

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى ‌يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222] 

حيث قالوا أن الآية ناطقة بأن الحائض ليست بطاهرة، ولأنه لا تجوز صلاة بغير طهارة لذا تحرم عليها الصلاة.

والحق أن الآية لم تذكر الصلاة ولم تشر إليها، وإنما بينت ما يجب على الزوج عندما تكون زوجته حائضا، حيث يجب عليه أن يعتزلها، ويبقى كذلك إلى أن تطهر من الحيض وتتطهر منه.

والاعتزال يقتضي أن لا يدخل الزوجان في العلاقة الزوجية ولا في مقدماتها، وهذا ينقض جميع الروايات التي تفيد بأنه يصح للزوج أن يفعل كل شيء مع زوجته الحائض سوى الجماع.

“حتى يطهرن”: حتى ينقطع دم الحيض

“فإذا تطهرن”: بأن أزلن آثاره بغسله.

“إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ”

هذا الجزء من الآية يبين أن الطهارة مطلوبة من الزوج كذلك، وذلك بالتزامه اعتزال زوجته، لأن كلمة المتطهرين جمع المذكر السالم حيث يدخل فيها الرجال والنساء بالضرورة، فلو كانت المسألة متعلقة بالتطهر من الحيض فقط لما كان لذكر الرجال في السياق معنى.

فالمتطهرون هم الذين يلتزمون أمر الله تعالى في اعتزال النساء في المحيض. حيث يمتنع الزوج عن المبادرة والزوجة عن التقرب لزوجها حتى لا يقعا في المحظور، وهذا هو التطهر.

المطلوب ممن أراد الصلاة هو الوضوء، ولا يهم بعد وضوئه إن نزل منه بول أو براز من غير إرادته، وكذلك الحائض ينزل دم الحيض منها بغير إرادتها، فلا يبطل الوضوء. ولا تبطل طهارتها للصلاة.

أما منع الله تعالى العلاقة الزوجية في الحيض فلأنه أذى يؤثر في سلامة الزوجين، {قُلْ هُوَ أَذًى} لكنه (الأذى) لا يؤثر في صحة الصلاة.

أما الجنابة فسببها العلاقة الكاملة بين الزوجين، أو الاحتلام، ولا علاقة للجنابة بالحيض، فهما شيئان مختلفان، فالجنابة تمنع الصلاة حيث ترفع بالاغتسال فيدوم المسلم على ذكر الله تعالى بالصلاة بعده. قال الله تعالى:

﴿وَإِنْ كُنْتُمْ ‌جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6] 

وقد فُسر التطهر بالاغتسال بقوله تعالى:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا ‌جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ [النساء: 43] 

لم يُفسر التطهر المذكور للحائض بعد انقطاع حيضها بالغسل كما كان في الجنابة، لذلك يُحمل الوجوب على أقل ما يقع عليه الأمر، وهو تطهير مكان الحيض. ولا شك أن غسل كامل البدن (الاغتسال) هو كمال صورة التطهر وليس بلازم لما ذكرنا.

والحائض مكلفة بالصوم، فإن ترافق المرض مع الحيض فتفطر بسبب المرض وعليها عدة من أيام أخر. ولو كان الحيض مانعا للصوم لما وجب عليها قضاء ما فات من أيام أخر. قال الله تعالى:

﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ ‌فَعِدَّةٌ ‌مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184] 

والفقهاء يحرمون على الحائض الصوم، ويقولون أن الحائض إذا صامت أثمت، ويأمرونها بالقضاء. والقول بوجوب قضاء عبادة قد حُرم أداؤها تناقض ظاهر. ولا دليل على ذلك. وقد بين الله تعالى أحكام الصوم مفصلا بخلاف غيره من العبادات فقال:

﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ (البقرة، 2/187).

وقد فصل الله تعالى في القرآن الكريم حدود الصوم، ولم يكن هناك ما يدل على منع الحائض من الصوم، ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يمنع الصوم؛ غير الأكل والشرب والجماع. إذا كان الأمر كذلك فمنع الحائض من الصوم هو الاقتراب والتعدي على الحدود التي حددها الله تعالى. ولا مبرر لأي شخص ليتعدى حدود الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  لسان العرب، مادة: زلف.

التعليقات

  • 6 – أنَّ امرأةً سألَت عائشةَ : أتَقضي الحائضُ الصَّلاةَ إذا طهُرَتْ قالَت أحروريَّةٌ أنتِ كنَّا نحيضُ علَى عَهْدِ رسولِ اللَّهِ ثمَّ نَطهرُ فيأمرُنا بقَضاءِ الصَّومِ ، ولا يأمرُنا بقضاءِ الصَّلاةِ
    الراوي : معاذة العدوية | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي
    الصفحة أو الرقم: 2317 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 112

    الحديث واضح بعد الطهر يصومون

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.