حبل الله
مفهوم التسامح في القرآن الكريم

مفهوم التسامح في القرآن الكريم

مفهوم التسامح في القرآن الكريم

أ.د عبد العزيز بايندر

نحن مدينون لله تعالى بكل ما نملك، ولا نملك سوى ما آتانا؛ يقول الله تعالى: «لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» (البقرة، 2 / 255). وهو الذي خلق فأبدع، فقال ممتنا علينا بجميل الخلق وروعة التصوير: «الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ؛ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ» (الإنفطار، 82 / 7-8). ولا ينكر هذه الحقيقة أحد حتى الذين انصرفوا عن عبادته وتبرموا لأمره سبحانه: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ» (الزخرف، 43 / 87). «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ؛ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ؛ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» (العنكبوت، 29 / 61-63). «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ؛ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ» (يونس، 10 / 31-32).

وجميع الخلائق في السماوات والأرض هم عبيد لله، ولا مثال له من خلقه. «إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا» (مريم، 19 / 93). «وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير» (الأنعام، 6 / 18).

والله تعالى لم يخلق الإنس والجن إلا ليعرفوه، ويقوموا بعبادته وتوحيده وحمده على أنعمه التي لا تحصى. والله تعالى لا يستعين بالخلق لجلب منفعة له، ولا لدفع ضرر عنه، ولا يصرفهم لتحصيل الأرزاق والمطاعم، كما يفعل الموالي مع عبيدهم. وقد أخبرنا الله تعالى عن ذلك بقوله: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ؛ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ» (الذاريات، 51 / 56-57).

أ_ القواعد الأساسية في التسامح

1_ الحرية

الحرية مفهوم مهمٌ يتميز به الإسلام عن غيره من الأديان. عبادة الله وحده توصل المؤمن إلى أعلى مراتب التحرر. والذين يتخذون من دون لله آلهة يفقدون حريتهم، فلا يجوز لمسلم أن يطيع مخلوقا في معصية الخالق، إنّ عصيان الله تعالى بطاعة غيره فيما يبغضه قد أبعد المسلمين عن جوهر الإسلام وأصبح مرضا مميتا فيهم.

يهدف الإسلام إلى إخراج الناس من عبادة الناس إلى عبادة خالق الناس وحده. وهذا هو مفهوم العبادة في الإسلام. ولا يسعد الناس إلى بدخولهم في الإسلام أو بدخولهم تحت حماية المسلمين. فمن أسلم حقا يسعد في الدارين، ومن لم يسلم يضمن السعادة في دنياه فقط. قال الله تعالى: «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ» (آل عمران، 3 / 112).

2_ عبادة الله وحده

بالأمس لم يكن أحدنا شيئا مذكورا ، وغدا سنغادر هذه الدنيا كلٌ بعمله، وفي الآخرة سنقف بين يدي خالقنا، وسيقال لنا: «وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ» (الأنعام، 6 / 94).

العاقل يعبد الله وحده، ويستفيد مما أنعم الله عليه، وفوق هذا يفوز في الآخرة. إن عبادة غير الله تعالى تورث الذل في الدنيا والندامة في الآخرة، لذا أنذر الأنبياءُ الناسَ من عبادة غير الله تعالى.

معنى العبادة في اللغة الطاعة. والطاعة تعني الإنقياد والإتباع، وغالبا تستعمل في إمتثال الأوامر.

والعبد: المملوك خلاف الحر. واجتمع العامة على التفرقة بين من كان عبدا لله والمملوك؛ فقالوا هذا عبد من عباد الله، وهذا عبد مملوك.[1]

الأول. عبودية للناس

الإنسان يحاولُ أن يستعبد مَن دونه، ويميل أن يكون عبدا لمن فوقه. وقد طلب الملوك الجبابرة من الناس أن يطيعوهم دون قيد أو شرط، لزعمهم أنهم عبادٌ لهم. وقد ورد في القرآن الكريم آيات تتحدث عن حال الملوك مع شعوبهم؛ منها قوله تعالى عن فرعون: «فَحَشَرَ فَنَادَى؛ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى» (النازعات، 79 / 23-24).

والرب هو المالك. ويطلق العرب على مالك (العبيد) ربا. والذي يرفض أن يكون عبدا لغير الله فلا يقبل بغير الله ربا.

يُنظر اليوم إلى موضوع العبودية وكأنه شيء من التاريخ. ولكن الحقيقة المؤلمة تشير إلى وجود العبودية اليوم أكثر مما كان سابقا تحت أسماء مختلفة. ففي النظام الرأسمالي _مثلا_ نرى الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال يستعبدون الضعفاء والفقراء والبؤساء، بسبب تأثيرهم في اختيار الحكام. لقد ذهب النظام الرأسمالي بعيدا في تجيير القوانين والتشريعات لصالح بقاء السيطرة الفعلية لهم على مقدرات الشعوب، وهم ينطلقون في تشريعاتهم تلك من أهوائهم التي اتخذوها آلهة من دون الله.

الثاني. العبودية للروحانيين

ومن الناس من يزعم أن بعض الروحانيين لهم حق التصرف في الكون، لأنّ فيهم بعض الصفات الخاصة لله تعالى. ومن أجل ذلك يبذل الجهلة من الناس جهدهم لتسحين علاقتهم بهم، فينصبون أصنامهم، ويتخذون أضرحتهم معبدا، ويعظمون شخوصهم الروحانية، ويقدمون من أجلهم النذور ليغيثوهم من البلايا. والله تعالى يأمر الناس أن يعبدوه وحده ليصلوا بذلك ذروة التحرر والإنعتاق. قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة، 2 / 21). «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ» (النمل، 27 / 62).

3_ الملائكة والأنبياء هم عباد الله

لا يوجد مخلوق في السماوات والأرض تنخلع عنه صفة العبودية لله تعالى، وفي الرد على من زعموا غير ذلك وألصقوا بعض صفات الله لبعض خلقه قال الله تعالى: «لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا» (النساء، 4 / 172). وحتى لا يشك أحد بهذه الحقيقة نفى الله تعالى أن يكون أحد في السماوات والأرض ندا له أو شريك، وإنما هم عباده. قال تعالى {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} (مريم، 19/95)

وعندما نقول: ” أشهد أنّ محمدا عبده ورسوله” نعني أنّنا نعلم يقينا أنّ محمدا عبده ورسوله. وإعطاء ميزات أخرى له يؤدي إلى التشبه بالنصارى، حيث قالوا في عيسى أنه ابن الله، وجعلوه خلفا له تعالى، فعبدوه واستعانوا به من دون الله. وفي ذلك انتقاص لحق الله تعالى في كماله وجلاله، فهو ليس بحاجة إلى من يعينه أو يخلفه وصدق فيهم الله إذ يقول {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر،39/67)

4_ العلاقة بين العبد وسيده

كان من السهل أن يفهم الناس كيفية عبادة الله تعالى لأنهم يعرفون العلاقة بين العبد وسيده. ولا يصح صرف العبادة إلى أي شخص وإن كان نبيا أو ملكا مقربا؛ لأنّ العبادة لا تصحُّ إلا لله وحده، فلا معبود إلا هو سبحانه. قال تعالى « مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ، وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» (آل عمران، 3 / 79-80).

5_ مسألة الرق

وهي من القضايا المهمة التي يجب الوقوف عليها. قديما كان الناس يسترق بعضهم بعضا بوسائل متعددة، وتحت ظروف قاهرة يجد الشخص نفسه مسترقا. وقد ألغى الإسلام طرق الاسترقاق كلها. أمّا أسير الحرب؛ فهو إما أن يُطلق سراحه بأخذ الفدية أو بدونها أو يتم تبادله مع من وقع أسيرا في أيدي الكفار. قال الله تعالى{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} (محمد،47/4)

باب الحرية للمملوك مفتوح دائما، وقد أمر الإسلام تحرير رقبة على من أفطر في شهر رمضان بدون عذر، وعلى من قتل خطأ أو تسبب في موت إنسان، وعلى من ظاهر زوجته[2]. وعلى من حنث في يمينه أحد ثلاثة أمور منها تحرير رقبة.

وبعد الإعتاق تستمر بين المالك والمملوك ما يشبه علاقة القرابة من النسب يطلق عليها ولاء العتاقة، وقد أوجب الإسلام على المالك مساعدة من أعتقه في عديد من المسائل. حتى أعطى الإسلام للمعتَق حق الوراثة لمولاه إذا لم يكن له وارث.

ومن الميزات التي خص الإسلام بها العبد أنّ عليه نصف ما على الحر من العقوبات. قال الله تعالى: «فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (النساء، 4 / 25).

عن العباس بن جليد الحجري، قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام، فصمت، فلما كان في الثالثة، قال: “اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة”.[3]

ومن الآيات الواردة في العبد: قوله تعالى: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا» (النساء، 4 / 36).

وقال: «وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ؛ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (النور، 24 / 32-33).

وقال أيضا: « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (التوبة، 9 / 60).

وقال تعالى: «وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» (النحل، 16 / 71).

وكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما بالعبيدِ وكان يقول: “هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ”.[4] وفي رواية أخرى: هم إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ فَبِيعُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ مَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ”.[5]

وعن علي رضي الله عنه، قال: كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، “الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم”.[6] وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، ولا يقولن المملوك ربي وربتي، وليقل المالك فتاي وفتاتي، وليقل المملوك سيدي وسيدتي، فإنكم المملوكون والرب الله عز وجل”.[7]

6_ عقيدة الخلود

يعمل المسلم من أجل الفوز بالآخرة؛ لأنه يؤمن بقوله تعالى: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (الأنعام، 6 / 32). «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ» (آل عمران، 3 / 14) «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا» (الكهف، 18 / 46).

تمثل الرغبة بالخلود هاجسا لكل إنسان، والإيمان بالآخرة يشبع هذه الرغبة، ويجعل المؤمن مطمئنا بإيمانه، لذلك تراه يفدي نفسه وماله من أجل الظفر بها، قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (التوبة، 9 / 111).

7_ مراقبة الله تعالى

لم يخلق الله تعالى هذا الكون عبثا ولهوا، قال الله تعالى {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ. مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (الدخان،44/ 38_39) والإنسان صاحب العقل والمستخلف في هذا الكون لا يمكن أن يكون خلقه دون غاية : « أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى» (القيامة، 75 / 36). وإن كان الأمر كذلك فلا بد أن يحصى على الإنسان أعماله صغيرها وكبيرها. قال تعالى «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ؛ كِرَامًا كَاتِبِينَ؛ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ» (الانفطار، 82 / 10-12).

ولتأكيد المعاني السابقة، ولبيان مراقبة الله تعالى للعبد، حيث يعلم حتى ما تخفيه نفسه، تأتي آيات من سورة (ق) لتبين مسؤولية الإنسان عن أفعاله كلها بأسلوب في غاية التأثير. قال تعالى « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ. مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ؛ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ. لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ. وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ. أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ. الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ» (ق، 50 / 16-26).

ب_ التسامح

 التسامح هو من حسن سيرة الشخص وسلوكه. وجوهر التسامح ما يقدمه الشخص إلى من يحيط به من أفراد الأسرة والجيران والمسلمين. ولا يجوز مضايقة غير المسلمين سواء كانوا من اليهود أو النصارى أو غيرهم من أصحاب الأديان المختلفة، لأن الله تعالى هو الذي أعطى الإنسان حرية الإعتقاد، كما منعنا الله تعالى سبهم بسبب إعتقادهم بقوله: «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ» (الأنعام، 6 / 108)، وما علينا إلا أن نذكرهم بالتي هي أحسن. قال الله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل، 16 / 125).

1_ حسن السلوك

يوصي لقمان ابنه بما يجعل منه نموذجا في حسن السلوك ، هذه الوصايا جمعت ما بين صحة الاعتقاد كالبعد عن الشرك ، والاعتراف بالجميل والأولى بذلك الوالدان، ومراقبة النفس وما يترتب على ذلك من تقويم السلوك، وإقامة الصلاة إذ أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولم يغفل إيصاءه بأن يكون فاعلا في مجتمعه ناشرا للفضيلة متمثلا ذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أمره بالصبر فهو علامة الإيمان، وأوصاه أن لا يتكبر على خلق الله فهو أحدهم، ولم ينس أن يوجهه حتى في مشيه وطريقة كلامه، وكل ذلك يُجمّل الإنسان ويجعل منه مثالا يحتذى. قال الله تعالى: «وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ؛ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ؛ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ؛ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ؛ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ؛ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ؛ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» (لقمان، 31 / 13-19).

كما أن هذه الآيات من سورة الفرقان تبين مزيدا من مجملات السلوك. قال تعالى: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا؛ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا؛ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا؛ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا» (الفرقان، 25 / 66).

2_ التسامح تجاه المسلمين

وقد تعهد الله تعالى بحفظ القرآن الكريم. لذا لا تخلوا السنة ولا الإجماع من الشبه والريب. وقد اختلف العلماء في عدد الروايات المتواترة التي لا محل فيها للشبهة. وكذلك الإجماع لم يكن متفقا في تحققه.

القرآن الكريم هو المصدر الوحيد الذي لم يختلف المسلمون فيه. وهناك عبادات لم يختلف المسلمون فيها أيضا مثل الصلوات وغيرها من أركان الإسلام. وكذلك معرفة الحلال والحرام. وهي من المسلمات التي اتفقت عليها جميع المذاهب. وفي حدود هذه المسلمات يُقبل إبداء الآراء المختلفة والنظريات المنقولة. وهو مما يعتبر تعددا للآراء ورحمة للمسلمين. إنّ اختلاف المذاهب والمشارب ليس تفرقة ولكنه وسيلة من وسائل التطور الفكري. والتسامح تجاه سلوك المسلمين ما دامت لا تخالف القرآن، وإظهار الأخوة والمودة والتواضع لهم واجب كل مسلم. قال الله تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا» (الفتح، 48 / 29).

وقال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ؛ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ؛ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ» (المائدة، 5 / 56).

3_ التسامح تجاه أفراد الأسرة

والأولى بالتسامح هم الوالدان حتى لو كانا مشركين، لما لهما من الفضل العظيم عليه. قال الله تعالى: « وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ؛ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (لقمان، 31 / 14-15).

وينبغي للمسلم أن يكون متسامحا مع زوجته وأولاده لأنهم أقرب الناس إليه، فلا يتحامل عليهم حتى لو بدر منهم ما يسيء إليه، لعل ذلك يكون سببا في صلاحهم وعدولهم عن الإساءة إليه. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ؛ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» (التغابن، 64 / 14-15).

4_ حرية العقيدة

الإنسان حر في اختيار العقيدة؛ لأن العقيدة محلها القلب. ولا يمكن إملاء العقيدة في قلب امرئ رغما عنه، ولا يملك المسلم إلا الدعوة إلى عقيدته بالحسنى أو التوصية بها. إنّ تحمل أذى أهل الكتاب الذين يعتبرون العداء للمسلمين من أسس عقيدتهم، وعدم سبهم بسبب عقيدتهم، والقول لكم دينكم ولي دين، هو السمة الأساسية في التعبير عن حرية العقيدة. قبول العبادات مرتبط بصحة النية، وهي محلها القلب كذلك، فلا يمكن التدخل بها، ولا يصح أن تكره أحدا على القيام بها.

أ_ الإيمان هو عمل القلب

أصل الإيمان هو التصديق بالقلب. ولا يعرف ما في القلب إلا الله. لذلك فإنّ إجبار أحد على قبول عقيدة ما أو ردها لا يعني شيئا. قال الله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (البقرة، 2 / 256).

وقال تعالى: «أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (المائدة، 5 / 41).

وقال أيضا: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (الحجرات، 49 / 14).

من الممكن أن يجبر الشخص على أن يقول “آمنت”، ولكنه لا يصير مؤمنا بهذا إذا لم يؤمن من صميم قلبه. «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (يونس، 10 / 99).

ب_ النية

المؤشر على طاعة الإنسان لله تعالى بإختياره هي نيته. وكلمة النية تعني القرار الحاسم لفعل شيء. “إنما الأعمال بالنيات.”  ولا يجبر أحد على العبادة؛ لأنه لا بد لها من النية، والنية محلها القلب.

ج_ أهل الكتاب

أهل الكتاب هم اليهود والنصارى. وقد جاءهم الرسل قبلنا، فأشركوا من بعد إيمانهم، فلما بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم أمره ربُّه بدعوتهم إلى كلمة سواء، نعبد الله وحده لا شريك له. والدعوة لهم ما زالت قائمة باتباع الرسالة الخاتمة التي لا تجيز العبودية إلا لله، فكتاب الله ينطق عليهم بالحق إلى قيام الساعة. قال تعالى: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (آل عمران، 3 / 64).

والدعوة لأهل الكتاب هو لتحقيق الخير لهم في الدنيا والآخرة «وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ؛ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ» (آل عمران، 3 /10- 111).

والمسلم ليس مطالبا بفعل كل ما يرضيهم لأنّه «وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ» (البقرة، 2 / 120). بل نلتزم قول الله فيهم، وذلك بدعوتهم إلى عبادة الله وحده وأن لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله.

وقد أمرنا الله تعالى بالصفح عنهم ما كان للصفح سبيل، واعتبر ذلك من الإحسان. قال تعالى «فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (المائدة، 5 / 13).

ت_ كل واحد له دينه

«قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ؛ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ؛ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ؛ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ؛ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ؛ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ» (الكافرون، 104 / 6).

«مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا» (الاسراء، 17 / 15).

ث_ المنع من سبّ الأصنام والأوثان

ولا يصح الإعتداء على الرموز الدينية لأصحاب الديانات المختلفة؛ لأنّ ذلك مدعاة إلى الإساءة لديننا. قال تعالى «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الأنعام، 6 / 108).

5_ تجاهل المنافقين

قال الله تعالى «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا؛ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا، فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا؛ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا» (النساء، 4 /60-63). «وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا» (النساء، 4 /81).

6_ الإعراض عن الجاهلين

قال الله تعالى «وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ؛ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ؛ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (الأعراف، 7 / 98-200).

7_ أداء الشهادة بالحق والعدل

أمرنا الله تعالى أن نأتي بالشهادة على وجهها، وأن لا نمتنع عن الشهادة إذا دعينا إليها لئلا تضيع الحقوق ويعطل الميزان، وينبغي للمسلم أن يشهد بالحق ولو على نفسه أو الأقربين، وأن لا يمنعه كرهه لقوم أن يعدل فيهم. قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» (المائدة، 5 / 8).

ت_ حدود التسامح

ليس التسامح تجاهل الإساءة مطلقا والإذعان للظالمين. وهل الدنيا لهم فقط؟! طبعا لا. فلا بد إذن من تحذير الناس من الشر وأهله، وأخذ التدابر اللازمة لصد العدوان وإظهار الموقف المخالف إذا لزم الأمر. قال الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج، 22، 39_40)

1_ تحذير الناس

قال الله تعالى: « أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ» (الزخرف، 43 / 5). يقول ابن عباس في تفسير الآية: أحسبتم أَن نصفح عَنْكُم وَلم تَفعلُوا مَا أمرْتُم بِهِ، وروي عن مجاهد قَالَ: تكذبون بِالْقُرْآنِ ثمَّ لَا تعاقبون عَلَيْهِ، وقد روي عن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لم يبْعَث الله رَسُولا إِلَّا أَن أنزل عَلَيْهِ كتابا فَإِن قبله قومه وَإِلَّا رُفِعَ فَذَلِك قَوْله: {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحاً إِن كُنْتُم قوما مسرفين}[8]

 وحتى تستديم الفضيلة في الناس لا بد من التذكير والتعريف المستمر بحق الله على العباد حتى تستقيم الحياة على الفطرة ولا يُفسد الميزان، وقد انتدب الله تعالى المسلمين جميعا لهذا الواجب العظيم بقوله «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (آل عمران، 3 / 104).

لا ينبغي للمسلم أن تزلف عينه إلى ما في أيدي الآخرين فيحسدهم، وقد يدفعه الحسد أن يبغي عليهم في ما آتاهم الله من فضله، بل على المسلم أن يكون محبا للخير خافضا جناحه للمؤمنين متواضعا لهم غير متكبر. قال تعالى « لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ؛ كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ؛ نَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ؛ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ؛ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ؛ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ؛ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ؛ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ؛ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ؛ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ؛ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» (الحجر،15 / 88-99).

2_ أخذ الحذر

إنّ التسامح لا يعني أن يكون المسلم غِرَّا يقع في خداع المنافقين والمغرضين، بل يقظا فطنا لا يؤتى من قبله، حارسا أمينا على عرضه وأمن الناس من حوله. قال الله تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ؛ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور؛ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» (آل عمران، 3 / 118-120).

3_ الإعراض عن  الجار السيئ

المسلم الحق يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومن كان في قلبه إيمان فإنّه يستجيب لمن يذكره وينهاه عن السوء، ولكن قوما قُدَّت قلوبهم من حديد لا يقبلون تذكيرا، يصرون على الخوض في آيات الله بغير علم، وأمثال هؤلاء يجب الإعراض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره. قال تعالى  «وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (الأنعام، 6 / 68)

4_ حكم موالاة الأعداء

لقد بين الله تعالى لمن يكون الولاء، وحصر ذلك له سبحانه ولرسوله وللمؤمنين، لذا حذرنا الله تعالى من موالاة أعدائه وأعداء المؤمنين فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ، إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ» (الممتحنة، 60 / 1-2).

5_ الدفاع المشروع

قد يلزم الدخول في الحرب ضد العدو لتوفير الأمن والاستقرار، وذلك مقيد برد الإعتداء وعدم العدوان. قال الله تعالى: « وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ،؛ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ؛ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ؛ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ» (البقرة، 2 / 190-193).

6_ علاقة المسلمين بغيرهم

الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم، وقد أمرنا الله تعالى بالقسط معهم وعدم الظلم، ولم ينهنا عن برهم والإحسان إليهم، وفي ذلك حضٌ على التعايش والإنسجام في ظل الدائرة الإنسانية الواسعة. قال الله تعالى: « عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ؛ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (الممتحنة، 60 / 7-9).

7_ إعلان الحرب لإنهاء القمع

 إنقاذ من يتعرضون للقمع والإبادة دون حيلة يجدونها لرد عدوان الظالمين هو واجب المسلمين، وينبغي الضرب على أيدي الظالمين حتى يكفوا عن قتل المستضعفين، قال الله تعالى: «وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا» (النساء، 4 / 75).

الخاتمة

بالعقل يتميز الإنسان عن الحيوان. وللإنسان آمال ورغبات تنتظم عن طريق العقل وينبغي أن يوجهها إلى ما يصلح حاله في الدارين، وبهذا ينال الخيرات. ولكن إذا كان العقل تابعا للآمال والرغبات انقلب الإنسان رأسا على عقب واختلفت الأفكار والآراء والمفاهيم لديه. وقد أخبرنا الله تعالى عن هذه الحقائق بقوله: «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا؛ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا» (افرقان، 25 / 43-44).

والمسلم ينظم الأمور بعقله، ويكون هدفه الأساسي هو إمتثال أوامر الله تعالى، وهذا أهم ما يميز المسلم عن غيره.. أما الكافر فيستحب السعي لتحقيق آماله ورغباته ويهمل أوامر الله تعالى. وفي قصة آدم عليه السلام وإبليس خير مثال على الفرق بين المسلم وغيره. فقد كان إبليس مع الملائكة فأمره الله أن يسجد لآدم فأبى واستكبر؛ لأنّه غلّب هواه على عقله. قال الله تعالى: « وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ؛ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» (الأعراف، 7 / 11-12).

هذا هو موقف إبليس تجاه أمر الله تعالى، وهو مُصّر على أن ينفذ ما يتطلبه هواه، مهملا استعمال عقله.

ومن ناحية أخرى قال الله تعالى لآدم: « وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ» (الأعراف، 7 / 19). ولكن إبليس لم يتركه وشأنه « فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ؛ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ» (الأعراف، 7 / 20-21). فقول إبليس «إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ» هو لدغدغة الرغبات الكامنة في نفسي آدم وحواء، فأكلا من الشجرة التي حرم الله عليهما الأكل منها. ولكن كانت تلك لحظة غفلة، وسرعان ما عادا إلى رشدهما فاعترفا بذنوبهما: « قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (الأعراف، 7/ 23).

أما إبليس فبقي مغلبا الهوى فلم يعترف بذنبه، بل أصرّ على عصيانه، وقال: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» (الأعراف، 7 /12). و«قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» (الحجر، 15 / 33).

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع حبل الله www.hablullah.com

 


[1]  لسان العرب، مادة: عبد.

[2] الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته أنت عليّ كظهر أمي، أو ما في معناه، قاصدا تحريمها على نفسه كما لو أنها أمّه.

[3] سنن أبي داود، باب في حق المملوك، رقم الحديث 5164.

[4] صحيح مسلم الإيمان/ باب: إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس.

[5]  رواه البخاري في كتاب الإيمان دون اللفظة «فَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ فَبِيعُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ» التي هي من رواية أبي داود في كتاب الأدب.

[6] سنن أبي داود، باب في حق المملوك رقم الحديث: 5156.

[7]   سنن أبي داود، باب لا يقول المملوك ربي وربتي رقم الحديث: 4975.

[8] انظر الدر المنثور، السيوطي، 7/ 367

التعليقات

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.