حبل الله
الطائفة العلوية في الإسلام

الطائفة العلوية في الإسلام

الطائفة العلوية في الإسلام
أ‌.   د. عبد العزيز بايندر
روى أحمد بن حنبل عن علي رضي الله عنه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن فيك من عيسى مثلا، أبغضته يهود حتى بهتوا أمَّه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به» ألا وإنه يهلك فيَّ اثنان، محب يقرظني بما ليس فيَّ، ومبغضٌ يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا إني لست بنبي ولا يوحى إليَّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم .”[1]
المفرطون في حقّ عليّ رضي الله عنه، مجموعتان؛ محبون مفرطون ومبغضون مفرطون.
المغالون في حبِّ عليٍّ رضي الله عنه
وهم الذين جاوا بإدعاءات مختلفة في حقِّ عليٍّ وآله نلخصها فيما يلي:
أ‌.                       إختصاص علي وآله بالخلافة
لم تكن شبه الجزيرة العربية تتبع دولة ذات كيان مركزي قبل الإسلام كما هو معلوم، بل كان الحكم القبلي النظام السائد فيها. وكان لكل قبيلة رئيس، ورئاسة القبيلة كانت تنتقل من الآباء إلى الأبناء بالتوارث. وكانت الدول المجاورة لها مثل إيران والروم والحبشة تُحكم بالنظام الملكي، ونعرف أن النظام الملكي نظام ينتقل من الأب إلى الابن.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيا ورئيسا للدولة. ولما كان علي رضي الله عنه من آل رسول الله فهو الأجدر برئاسة الدولة بعد النبي ؛ لأنه ابن عمه وصهره، وقد أمضى جميع حياته في صحبته ، كما كان عالما بالكتاب والسنة. ومن أجل ذلك أراد بعض الناس مبايعته خليفة بعده. وهو مما كان سببا في استياء علي في اختيار خلفية غيره.
حتى يومنا هذا لم يتخل الناس عن فكرة الملكية على الرغم من الدعاية المناهضة لها. ففي تركيا _مثلا_ وبعد مرور ما يقرب من قرن على انتهاء الدولة العثمانية إلا أن الناس يتابعون باهتمام حركات وسلوك من ينتمي إلى الأسرة الملكية العثمانية على الرغم أن كثيرا منهم يعيشون اليوم في المنفى، ولو أنّ واحدا منهم قرر الدخول في المعترك السياسي لفاز في الإنتخابات بسهولة. ولا ينكر أحد أن فوز أردال أنينو برئاسة الحزب الإشتراكي الجمهوري كان بسبب حمله اسم أنينو. ونفس الكلام ينبطق على أسرة مَنْدَرِس. وفي أمريكا لا يزال أفراد عائلة كندي يحظون بمكانة عالية في المجتمع بسبب الفكرة الملكية.
لا يوجد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ما يتعلق بهيكل الدولة من أمر أو نهي؛ فالقرآن يعلن أنّ الهيمنة لله تعالى وحده. وقد وردت فيه آيات كثيرة منها قوله تعالى: «تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الملك، 67 / 1). وكلمة الملك تعني: السلطان والسيد والحاكم. فالله تعالى لا يشرك في حكمه أحدا. قال الله تعالى: « الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا» (الفرقان، 25 / 2).
وهو سبحانه يعطي الملك لمن يشاء من الناس. قال الله تعالى: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (آل عمران، 3 / 26).  وقد بين الله تعالى أنه قد كرم بني آدم وسخر لهم كثيرا مما خلق. قال الله تعالى: « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» (الإسراء، 17 / 70). وقال تعالى مُبيِّناً أكرم خلقه: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات، 49 / 13).
يدعي الشيعة أهمية الإنتماء للأسرة الحاكمة، وما يتبع ذلك من أحقية في الملك، لذا لا يُستغرب أن يرى عليٌ نفسَه جديرا بالإمامة. ولكن الإدعاء بأحقية علي بالخلافة وإتهام الخلفاء الذين بايعهم عليٌّ نفسُه بالظلم وبغصب الخلافة منه إفتراء. وقد قال علي رضي الله عنه في حق من سبقه من الخلفاء كلاما حسنا. فعن محمد بن الحنفية، قال: قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أبو بكر»، قلت: ثم من؟ قال: «ثم عمر»، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: «ما أنا إلا رجل من المسلمين».[2]
كما هو معروف فإنّ الشيعة اليوم، يعتبرون خلافة علي رضي الله عنه مسألة إمامة. وهم يرون أن أحد شروط الإمامة أن يكون الإمام من نسب علي رضي الله عنه. كما أنهم يؤمنون أن الخلفاء بعد النبي صلى الله عليه وسلم هم من أولاد علي رضي الله عنه.[3] فقولهم في الأذان عبارة “أشهد أن عليا ولي الله” ما هي إلا إعلان عن ذلك الإعتقاد.
ب‌.                  عصمة الإمام
وعقيدة اختصاص علي وأولاده رضي الله عنهم بالخلافة قادت الناس إلى تطرف آخر. تمثلت في عصمة علي والأئمة الذين ينحدرون من نسبه، وذلك ليتميزوا عن غيرهم فيستحقوا الخلافة. والخصائص التي يمتاز بها الإمام عندهم[4]:
“إنّ الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سنِّ الطفولة إلى الموت، عمدا وسهوا كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان، لأن الأئمة حفظة الشرع والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي، والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمة، بلا فرق.”[5]
وما يقول الشيعة في حق أئمتهم لا نجده في حق نبينا صلى الله عليه وسلم. لأنه قد وردت آيات تدل على عدم عصمته عن الخطأ. قال الله تعالى: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ؛ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (الأنفال، 8 / 67-68).
وقد وعد الله تعالى المؤمنين إحدى الطائفتين[6]: العير أو النفير، وبما أن العير أي الإبل قد نجت، فلم يبق إلا النفير، أي قتال المشركين وتحقيق الإنتصار العظيم. ولكن أخطأ المؤمنون حيث تركوا قتال المشركين وتنافسوا في أسرهم؛ مخالفين بذلك أمر الله تعالى حيث كان يريد قطع دابر الكافرين.[7]وبالتالي تركوا مطاردة مَن فر مِن المشركين حتى مكة، ولو فعلوا لتمَّ فتحها في ذلك الوقت. ولكن بسبب الخطأ الذي ارتكبوه في بدر تأخر فتح مكة، ووقعت غزوة أحد والخندق واستشهد كثير من الصحابة.
ت‌.                  شفاعة الأئمة ومعارفهم
وقد كثر الكلام في حق الإمام بعد أن جعلوا منه شخصية أسطورية خيالية. ومن معتقدات الشيعة في الإمام ما يلي:
“أمّا علمه؛ فهو يتلقّى المعارف والأحكام الاِلهية وجميع المعلومات من طريق النبي أو الاِمام من قبله.وإذا استجدّ شيء لا بدَّ أن يعلمه من طريق الاِلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه، فإنْ توجّه إلى شيء وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي، لا يخطئ فيه ولا يشتبه، ولا يحتاج في كلّ ذلك إلى البراهين العقلية، ولا إلى تلقينات المعلِّمين، وإن كان علمه قابلاً للزيادة والاشتداد، ولذا قال صلّى الله عليه وآله في دعائه: «رَبِّ زدني علماً».[8] فقد ثبت في الاَبحاث النفسيّة أنّ كل انسان له ساعة أو ساعات في حياته قد يعلم فيها ببعض الاَشياء من طريق الحدس الذي هو فرع من الاِلهام؛ بسبب ما أودع الله تعالى فيه من قوّة على ذلك، وهذه القوّة تختلف شدّة وضعفاً، وزيادة ونقيصة في البشر باختلاف أفرادهم، فيطفر ذهن الانسان في تلك الساعة إلى المعرفة من دون أن يحتاج إلى التفكير وترتيب المقدّمات والبراهين أو تلقين المعلّمين، ويجد كل إنسان من نفسه ذلك في فرص كثيرة في حياته.وإذا كان الاَمر كذلك، فيجوز أن يبلغ الانسان من قوّته الالهامية أعلى الدرجات وأكملها، وهذا أمر قرَّره الفلاسفة المتقدّمون والمتأخرون”.
“فلذلك نقول ـ وهو ممكن في حدِّ ذاته ـ: إنّ قوّة الالهام عند الامام ـ التي تسمّى بالقوة القدسية ـ تبلغ الكمال في أعلى درجاته، فيكون في صفاء نفسه القدسية على استعداد لتلقّي المعلومات في كلّ وقت وفي كل حالة، فمتى توجَّه إلى شيء من الاَشياء وأراد معرفته استطاع علمه بتلك القوّة القدسية الالهامية بلا توقّف ولا ترتيب مقدمات ولا تلقين معلِّم، وتنجلي في نفسه المعلومات كما تنجلي المرئيات في المرآة الصافية، لا غطش فيها ولا إبهام”.
“ويبدو واضحاً هذا الاَمر في تاريخ الاَئمّة عليهم السلام كالنبي محمد صلّى الله عليه وآله؛ فإنّهم لم يتربَّوا على أحد، ولم يتعلَّموا على يد معلِّم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد، حتى القراءة والكتابة، ولم يثبت عن أحدهم انه دخل الكتاتيب، أو تتلمذ على يد أستاذ في شيء من الأشياء، مع ما لهم من منزلة علمية لا تجارى. وما سُئلوا عن شيء إلا أجابوا عليه في وقته، ولم تمر على ألسنتهم كلمة (لا أدري)، ولا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمّل أو نحو ذلك.
“في حين أنّك لا تجد شخصاً مترجماً له من فقهاء الاِسلام ورواته وعلمائه إلاّ ذكرت في ترجمته تربيته وتلمذته على غيره، وأخذه الرواية أو العلم على المعروفين، وتوقّفه في بعض المسائل، أو شكِّه في كثير من المعلومات، كعادة البشر في كلِّ عصر ومصر.”[9]
وهذه أيضا خصائص لا توجد في النبي صلى الله عليه وسلم. لأنها تخرجه عن كونه بشرا. ويظن بعض الناس أن نبيا لا يكون إنسانا عاديا. لذا يرون في شخص النبي صلى الله عليه وسلم خصائص فوق البشرية. وقد حكى لنا القرآن الكريم هذا فقال: «وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا؛ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا؛ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا؛ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا؛ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا» (الإسراء، 17 / 90 – 94).
وقد أفرط النصارى في حبِّ عيسى عليه الصلاة والسلام حتى قالوا إنه ابن الله. وأنّ الله تعالى تجسد في شخصه عليه الصلاة والسلام.
وكان المسلمون الأوائل يعترضون النبي صلى الله عليه وسلم، ويبدون رأيهم فيما لا يوجد فيه وحي؛ لأنهم كانوا يعرفون جيدا أنه بشر مثلهم يصيب ويخطئ إذا لم ينزل في الأمر وحي. ومن أمثلة ذلك؛ كما حكى ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل بأدنى مياه بدر قال له الخباب بن المنذر: أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدّمه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: لا، بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: فإنه ليس بمنزل، انهض حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نعوّر ما وراءه من القلب، فنشرب ولا يشربون. فقال: أشرت بالرأي، وفعل ما قاله.[10]
ث‌.                  طاعة الإمام
يجب الطاعة للأئمة دون قيد أو شرط. وعقائد الشيعة فيها كالتالي: ” أنّ أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليّهم وليّه، وعدوَّهم عدوّه.”[11]
يزعم النصارى أنّ الألوهية الموجودة في عيسى قد انتقلت منه إلى البابا ومنه إلى البطريرك ومنه إلى المطران ومنه إلى الخوري أي الكاهن ومنه إلى الراهب. ويرون وجوب طاعتهم بدون قيد أو شرط؛ لأنهم معصومون. وهذا تطرف منهم في حق المسيح ومن يمثله من أرباب الكنائس. ونرى هذا التطرف في حق علي وأولاده، حيث يقولون أنّ الخلفاء أي الأئمة هم ظلُّ الله على الأرض، وقد أخذوا تعاليمهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه التعاليم من القرآن الكريم والسنة النبوية.
مفهوم ولي الأمر عند الشيعة مختلف لحقيقته في القرآن والسنة. يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» (النساء، 4 / 59). وقد جاء أمر إطاعة أولي الأمر في الآية معطوفا إلى إطاعة الرسول.
وجوب الطاعة المطلقة للرسول لا تعني طاعة أولي الأمر بدون قيد أو شرط. لأننا نعرف أن الأنبياء لا يصدر منهم عصيان لله تعالى أبدا، ولكن أولي الأمر لا يمكن أن يكونوا معصومين مثل الأنبياء. وقد جاء في الحديث؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لَا طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.” وفي حديث آخر: ” لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.”[12]
عن علي رضي الله عنه قال: على الإمام أن يحكم بما أنزل الله تعالى ويؤدي الأمانة وفي هذه الحالة وجب على الناس طاعته.[13] وهذا مخالف لما اعتقده الشيعة من وجوب طاعة الخليفة أو الإمام بدون قيد أو شرط، مما أدى إلى فقدان المراقبة تماما، وما تبع ذلك من فساد الحكام وضياع الرعية.
ج‌.                   عقيدة الرجعة
يعتقد بعض العلويين بهجرة الروح؛ لأنه يصعب عليهم قبول حقيقة وفاة أئمتهم. كما قال الشيخ محمد رضا المظفر: “إنّ الذي تذهب إليه الامامية ـ أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السلام ـ أنّ الله تعالى يعيد قوماً من الاَموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزّ فريقاً ويذلّ فريقاً آخر، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام. ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الايمان، أو مَن بلغ الغاية من الفساد.”[14]
ح‌.                   التقية
يفسر الشيعة عقيدة التقية على النحو التالي:
لقد كانت التقية شعاراً لآل البيت عليهم السلام؛ دفعاً للضرر عنهم وعن أتباعهم، وحقناً لدمائهم، واستصلاحاً لحال المسلمين، وجمعاً لكلمتهم، ولمّاً لشعثهم.[15] وقد تطرف الشيعة في عقيدة التقية حتى زعموا أن عليا رضي الله عنه اتقى لمدة ثلاثين سنة، أي تظاهر كصديق مع كتمان العداء. ألا يعني هذا القول أنه كان منافقا ومخادعا؟ هذا من ناحية. ومن الناحية الأخرى ألا يمكن لمن خالف عليا من غير أهل البيت أن يتظاهر كصديق لعلي وأهل البيت مع كتمان العداء له؟ وفي النهاية فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا جميعا منافقين؟ ويحقّ لنا أن نتساءل إنّ كان النبي صلى الله عليه وسلم ربّى أصحابه على النفاق؟ حاشا المعلم والمتعلمين. قال الله تعالى واصفا النبي وأصحابه: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا» (الفتح، 48 / 29).
1.                    المفرطون في كراهية علي رضي الله عنه
الخوارج هم أول فرقة أفرطت في كراهة علي رضي الله عنه، وقد كانوا من أنصاره فخرجوا عليه، لذلك كانت فكرة التشيع أسبق من فكرة الخوارج.
ظهر الخوارج في جيش علي رضي الله عنه عندما اشتد القتال بين علي ومعاوية، في صفين وذاق معاوية حر القتال، وهمّ بالفرار، حتى أسعفته فكرة التحكيم فرفع جيشه المصاحف، ليحتكموا إلى القرآن، ولكن عليا أصر على القتال، حتى يفصل الله بينهما، فخرجت عليه خارجة من جيشه تطلب إليه أن يقبل التحكيم، فقبله مضطرا لا مختارا، ولما اتفق مع خصومه على أن يحكما شخصين أحدهما من قِبل علي والآخر من قِبل معاوية، اختار معاوية عمروَ بن العاص، وأراد عليٌّ أن يختار عبدَ الله عباس، ولكن الخارجة حملته على أن يختار أبا موسى الأشعري، وانتهى أمرُ التحكيم إلى النهاية التي انتهى إليها، وهي عزْل عليٍ وتثبيت معاوية. ومن الغريب أنّ هذه الخارجة التي حملت عليا على التحكيم وحملته على محكَّم بعينه أن جاءت من بعد ذلك واعتبرت التحكيم جريمة كبيرة، وطلبوا من علي أن يتوب عما ارتكب، لأنه كفر بتحكيمه كما كفروا وتابوا. وتبعهم غيرهم من أعراب البادية، وصار شعارهم “لا حَكَمَ إلا الله” وأخذوا يقاتلون عليا بعد أن كانوا يجادلونه، ويقطعون عليه القول.[16]
الخاتمة
الناس جميعا عباد لله تعالى، والله تعالى رب جميع الناس.
وكلمة “العبد” تعني المملوك. أما كلمة “رب” فتعني المالك، والخالق، والصاحب. وهذا المعنى الأخير يكثر استعماله في الفقه؛ حيث يقال رب المال، أي صاحبه. كما تستعمل بمعنى السيد كما يقول الرقيق والمملوك ربي أي سيدي. وقد جاءت بهذا المعنى في القرآن الكريم. قال الله تعالى: «وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» (يوسف، 12 / 23).
 ولنضرب المثل بكلمتي “العبد” و”الرب” (بمعنى السيد) لنحدد العلاقة بين الله وعباده.. فلسيد هيمنة كاملة على عبده أي مملوكه، فعلى المملوك الطاعة لسيده بدون قيد أو شرط؛ ليس له حق التصرف في ماله ولا في ذاته، إلا فيما أذن له سيده. وهي علاقة تختلف عن العلاقة بين الأب والابن. فالابن هو وارث لأبيه ويملك حق التصرف في مال أبيه فضلا عن حق التصرف في ذاته وما يملكه من الأموال. فالعلاقة بين العبد وبين الله تعالى هي ليست علاقة الابن مع أبيه، بل هي علاقة المملوك مع سيده. وهناك مثل يظهر في كلمتي العبد والرب يحدد العلاقة بين العبد وربه. لا يمكن أن يدعي أحد أنه يملك حق التصرف إلا فيما أذن الله تعالى له. بيده الملك وهو المتصرف وحده، فالنبي صلى الله عليه وسلم عبد من عباده تعالى. وشهادة أنه عبد الله ورسوله أحد الشهادتين للدخول في الإسلام.
وقد يخطئ كثيرٌ من الناس في هذا الموضوع؛ حيث يعطون لبعض الأشخاص حق التصرف الذي اختص الله لنفسه، ولم يشرك معه أحدا من خلقه. فقالت النصارى عيسى ابن الله ثم ألهوه. وقالت اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه.[17] وفي كل مرة يحرفون كتاب الله، ويدَّعون حق التصرف فيما يختص به الله تعالى. ويزعم البعض منهم أنّ الملائكة هم بنات الله. والبعض الآخر يزعم أن بعض أولياء الله يملكون حق التصرف في الكون؛ كما يدعي البعض أنه ينوب عن الله تعالى، فاحترامه احترام لله؛ فيخدعون الناس بذلك. وما هو إلا الضلال بعينه إذ لا برهان لهم في إدعاءاتهم تلك. وهناك مَن يقدسون أشخاصاً بزعمهم أن الله تعالى قد حلَّ فيهم، وهو ما يسمى عند بعض العلويين بأسرار علي، المتمثلة في تحديد قدرة الله وتصرفاته في الكون. وهذا قول مزعوم لا أصل له ولا حتى شبهة دليل.. وقد اعتبر القرآن الكريم مثل هذا الإعتقاد شركا. قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا» (النساء، 4 / 47).
ويختلف الناس في موقفهم تجاه القرآن الكريم. منهم من يتبع أوامر القرآن الكريم بكل صدق، يفدي دينه بماله ونفسه. ولكن البعض يحاول تطويع القرآن الكريم إلى ما تهوى نفسه، ويتبع المتشابهات من الآيات لتحقيق آماله. قال الله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ» (آل عمران، 3 / 7)
«وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ؛ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» (فاطر، 35 / 31- 32).
والنقاش الذي يدور في حق علي رضي الله عنه، لا يقبله عليٌ نفسُه. ونود أن نختتم كلامنا فيه بآيات وردت في حق عيسى عليه السلام ما دام النبي صلى الله عليه وسلم قد شبهه به. قال الله تعالى: «وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ؛ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (المائدة، 5 / 116-117).

[1]   مسند أحمد ، 1/ 160، رقم الحديث 1377.
[2]   البخاري فضائل الصحابة 5.
[3]     محمد رضا المظفر، عقائد الإمامية، ص. 50.
[4]   هناك تشابه كبير بين عقائد العلوين وعقائد الإمامية فيما يتعلق بالإمام، لذلك اعتمدنا بعض كتب الإمامية لتوضيح العقائد العلوية
[5]   العقائد الإمامية، محمد رضا المظفر، ص. 66.
[6]   أنظر، الأنفال، 8 / 7.
[7]  أنظر، الأنفال، 8 / 7.
[8]   تضمين قوله تعالى: (وَقُلْ ربِّ زِدْنِي عِلْماً): طه 20: 114.
[9]  عقائد الإمامية، الشيخ محمد رضا المظفر، ص. 90-93.
[10]   سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، 12/ 7.
[11]  عقائد الإمامية، الشيخ محمد رضا المظفر، ص. 95.
[12]   مسند أبي داود الطيالسي، أحاديث علي بن أبي طالب، رقم الحديث: 111
[13]   عقائد الإمامية، الشيخ محمد رضا المظفر، ص. 54.
[14]  عقائد الإمامية، الشيخ محمد رضا المظفر، ص. 63-65.
[15]  عقائد الإمامية، الشيخ محمد رضا المظفر، ص. 119.
[16]  تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة، ص. 56.
[17]  المائدة، 5 / 18.

تعليق واحد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.