حبل الله
التوبة بعد الختم على القلب

التوبة بعد الختم على القلب

السؤال: أريد أن أسأل عن الذين طبع الله وختم على قلوبهم هل يغفر لهم ان تابوا ؟ وهل ضيق الصدر من آثار ذلك ؟

الجواب: قال الله تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} (الجاثية، 23).
وحصول هذا التأثير على الأذن والقلب، ونزول الغشاوة على البصر، ما هو إلا نتيجة طبيعة حاصلة من الإعراض عن منهج الله تعالى واتباع الهوى. وهذا ما بينته الآية السابعة من سورة البقرة. إذ جعلت الموضوع أكثر وضوحا ؛ قال الله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب أليم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون} (النحل، 106-108).
أخذ قوم بظاهر معنى الختم والطبع فقالوا: “جعل الله تعالى أسماعهم وقلوبهم مختومة”[1]. والصحيح أن المقصود بالختم والطبع المجاز وليس الحقيقة وهذا من قبيل الاستعارة التمثيلية. لأنَّه إذا كان الله تعالى قد ختم ؛ أي طبع الختم على قلب الكافر وسمعه وغطى بصره بستار، فأصبح الكافر بذلك لا يستطيع أن يرى الحق أو أن يبحث عنه فيكون تعذيبه على كفره ظلما. تعالى الله عن ذلك.
يقول الزمخشري في تفسير هذه الآية: “فإن قلت: ما معنى الختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار؟ قلت: لا ختم ولا تغشية ثَمَّ على الحقيقة، وإنما هو من باب المجاز، ويحتمل أن يكون من كلا نوعيه وهما الإستعارة والتمثيل. فإن قلت: فلم أسند الختم إلى الله تعالى وإسناده إليه يدل على المنع من قبول الحق والتوصل إليه بطرقه وهو قبيح والله يتعالى عن فعل القبيح علواً كبيراً؟ قلت: القصد إلى صفة القلوب بأنها كالمختوم عليها. وأما إسناد الختم إلى الله عز وجل، فلينبه على أنّ هذه الصفة في فرط تمكنها وثبات قدمها كالشيء الخلقي غير العرضي. ألا ترى إلى قولهم: فلان مجبول على كذا ومفطور عليه، يريدون أنه بليغ في الثبات عليه[2]..
ويؤيد البيضاوي هذا التفسير بقوله: “وإنما المراد بهما ( أي الطبع والختم ) أن يحدث في نفوسهم هيئة تمرنهم على استحباب الكفر والمعاصي، واستقباح الإيمان والطاعات بسبب غيهم، وانهماكهم في التقليد، وإعراضهم عن النظر الصحيح، فتجعل قلوبهم بحيث لا ينفذ فيها الحق، وأسماعهم تعاف استماعه فتصير كأنها مستوثق منها بالختم، وأبصارهم لا تجتلي الآيات المنصوبة لهم في الأنفس والآفاق كما تجتليها أعين المستبصرين، فتصير كأنها غُطي عليها. وحيل بينها وبين الإبصار، وسمّاه على الإستعارة ختماً وتغشية” ( تفسير البيضاوي، 1 / 26). قال تعالى في سورة الصف: «فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين» (الصف، 61 / 5) وتتحدث هذه الآية وأمثالها عن أن الأعمال السيئة تتولد عن العادات السيئة وهذا من قبيل سنة الله في الأشياء، وهكذا يكون الصلاح والفساد جنبا إلى جنب في عالم الامتحان.
نفهم مما سبق أن باب التوبة مفتوح لكل إنسان مهما بلغ ذنبه ومهما اشتد كفره، قال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر، 53) وتقبل توبة العبد ما لم يحضره الموت، قال تعالى {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (النساء، 18)
أما ضيق الصدر الذي يشعر به البعيدون عن الحق والهدى، فلا يدل على الختم والطبع لأنه لا ختم ولا طبع على الحقيقة كما بينا، وإنما هو الشعور اللازم للمعصية قال الله تعالى {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (الأنعام، 125) والشعور بانشراح الصدر عند الطاعة وضيق الصدر عند المعصية هو مؤشر داخلي أبدعه الله بالإنسان كي يعرف مدى استقامته على منهج الله، وهذا من فطرة الله التي فطر الناس عليها، انظر إلى قوله تعالى {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس، 7_10)  فقد سوَّى الله النفس وألهما الفجور والتقوى، وما ذلك إلا إحساسه بحلاوة الإيمان والعمل الصالح، وضيقه من فعل القبائح. وإذا استمرأ الإنسان المعصية فإنه يبدأ بفقد الإحساس بعظم المعصية حتى ينتهي الأمر باتخاذها عادة بل ويتلذذ بها، وفي هذه الحالة يكون كأنه خُتم على قلبه وسمعه وجُعل على بصره غشاوة.
وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراة مقالة (الختم على القلب) على الرابط التالي

[1]معاني القرآن الكريم للأستاذ علي أوزك وأصحابه
[2]الكشاف، الزمخشري1/29.

التعليقات

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.