حبل الله
نكاح المتعة

نكاح المتعة

الباحث: أنس عالم أوغلو

إن هناك شيئا أحدثه بعض الناس قديما وقلدهم البعض تقليدا أعمى، وما زالت دعواهم تجد صدى عند بعض المسلمين. وهذا الشيء يسمونه متعة، وفي بعض الأحيان نكاح المتعة، ويستدلون عليه بجملة واحدة بل بكلمة واحدة يأخذونها من آية متجاهلين ما بعدها وما قبلها، متأولينها بعيدا عن قواعد الشرع وأصوله ومقاصده، وبلا دراية في أصول استخدام اللغة، فضلا عن تجاهلهم للآيات والأحاديث المتعلقة بالموضوع.
وفي الحقيقة أن هذه الآية أو الحديث بتمامه في واد وهؤلاء في واد آخر. فأردنا أن نبين حقيقة الأمر مستدلين بالآيات والأحاديث المتعلقة بموضوع النكاح مع تحليل الآية التي استدلوا بجزء منها في دعواهم.

المقدمة

الزواج في الإسلام هو عقد متين تبنى به الأسرة على أساس الود والأنس والتآلف، ويقصد منه التناسل والتوالد، لقوله تعالى “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”[1]، ولقوله تعالى: “والله جعل لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً”[2]. وعلاقة كل واحد من الزوجين بالآخر كعلاقة المرء بنفسه، كما يشير تعالى إليه بقوله: “هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ”[3].
ويحرم التزوج بأكثر من أربع. ويجب الإكتفاء بواحدة إن خاف من أن لا يعدل بين أزواجه إذا تزوج بأكثر من واحدة [4]. هذا هو المتبادر إلى الذهن عن الزواج في الإسلام أو النكاح في الإسلام.
وأما المتعة فهي “عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها”[5]، وبعبارة أخرى هي عبارة عن انتفاع رجل بامرأة في وقت محدود أقله عدة دقائق تكفي بمرة واحدة من الجماع، يحددنانه في مقابلة جُعْلٍ معينٍ تراضيا به بينهما ولو بأتفه شيء من الأموال.
ولا يشترط فيه الولي ولا الشاهدان، ولا يلزم الطلاق للفرقة، وإنما تقع الفرقة بخروج الوقت، ولا توارث بينهما. ولا يقصد الرجل منها إلا قضاء شهوته الجنسية فقط، وتقصد المرأة تحصيل شيء من الأموال إلى جانب قضاء شهوتها الجنسية، وعلاقة كل واحد من المُتَمَتِّعِ والمُتَمَتَّعِ بها كعلاقة أحد الزانيين بالآخر. ولا حد لعدد النساء المتمتَّع بهن، فيجوز له أن يتمتع حتى بألف منهن فإنهن مستأجَرات[6].
هذا ما حدث بين المسلمين بحدوث المذاهب المختلفة، فهو أمر يرجع إلى عدمِ فهم معاني الآيات المتعلقة بالزواج حق الفهم، ومرده أيضا إلى الروايات الضعيفة أو الموضوعة. وهذا الشيء (المتعة) ينكره العقل وتعافه النفس ويمجُّه الذوق وتأباه الفطرة.
فنرى في بعض كتب فقه الشيعة[7] وفي بعض كتب التفاسير القديمة[8] والمعاصرة[9] أنّ مشروعية المتعة دائمة ومستقرة. وفي دراستنا هذه نبين آراء مجيزيها مع ذكر أدلتهم ثم نرد عليهم مع بيان حقيقة الأمر على ضوء الآيات والأحاديث المتعلقة بالموضوع.

1- ادّعاؤهم:

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ”[10]. إن قوله تعالى “أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم” يتناول من ابتغى بماله الاستمتاع بالمرأة على سبيل التأبيد، ومن ابتغى بماله على سبيل التأقيت، وإذا كان كل واحد من القسمين داخلا فيه كان قوله: “وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم” يقتضي حل القسمين، وذلك يقتضي حل المتعة. ومن ناحية أخرى ثبت أنه عليه الصلاة والسلام أباح المتعة في حجة الوداع وفي يوم الفتح[11].

2- الرد عليهم وعلى من ذهب إلى قولهم

إن هذا الجزء من الآية الرابعة والعشرين يبين معنى جديدا يتعلق بالنكاح الصحيح الذي يقوم على نية العشرة الدائمة، فلا يتناول من ابتغى المرأة بماله للاستمتاع بها في وقت محدود، لأن الابتغاء مقيد بشرطين هما الإحصان وعدم المسافحة، فلذلك لا يحل ابتغاء المرأة بالمال إلا بهذين الشرطين، وكل ذلك يتبين من النقاط التالية:
أولا- إن الآيات من قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً…” إلى قوله تعالى: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ…”[12] في الزواج الذي يتحقق بنية المعاشرة الدائمة، والذي يقوم على المودة والرحمة.
ثانيا- بعد أن عدّ الله تعالى المحرمات في الآية التي تلي هذه الآيات قال تعالى: “وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً”[13].
ونقسم هذه الآية قسمين لفهم معناها، القسم الأول هو قوله تعالى: “وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ”.
قوله تعالى “والمحصنات”: اسم معطوف على المصدر المؤول السابق أي: وجمعكم بين الأختين والمحصنات. ومعنى “َالْمُحْصَنَاتُ ” هنا ذوات الأزواج. “كتاب الله عليكم”: مفعول مطلق لعامل محذوف تقديره: كتب، والجار والمجرور متعلقان بحال من “كتاب”. وجملة “كتب” المقدرة مستأنفة. والمصدر “أن تبتغوا” بدل اشتمال من “ما”، وقوله “محصنين”: حال من فاعل “تبتغوا”، وقوله “غيرمسافحين”: حال ثانية[14].
 و”مُّحْصِنِينَ” هو من أحصن يحصن إحصانا، بمعنى منع يمنع منعا شديدا، وأصلهما من الحِصْن وهو المكان المنيع الحِمَى[15]. فيكون معنى الإحصان هنا: إدخال الرجل المرأة في حصنه وحمايته بقصد أن تعيش معه عيشة خاصة وتكون ربة لبيته وأما لأولاده فبذلك يكون هو محصنا لها أي مدخِلا إياها في حصنه وحمايته، وتكون هي محصنة أي مدخَلة في حصنه وحمايته.
وأما “…مُسَافِحِينَ” من سافح يسافح على وزن فاعل يفاعل، أصله من السفح بمعنى الصب، والفعل إذا أوقعه الفاعل والمفعول معا مستويَيْن يصاغ الفعل من المفاعلة للدلالة على هذا المعنى، وإعراب “مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ” حالان من فاعل “تَبْتَغُوا” كما بيناه آنفا، والحال هنا يبين هيئة الفاعل عند وقوع الفعل.
وعلى هذا كله يكون معنى قوله تعالى: “وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ” كما يلي:
حرم عليكم أن تنكحوا ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم من الإماء[16] كما حرم عليكم أن تنكحوا من سبق ذكرها من النساء، كتب الله تعالى عليكم تحريم هذه الأنواع من النساء كتابا مؤكدا. وأبيح لكم أن تطلبوا غير هؤلاء النسآء بأموالكم بشرط أن تكون إرادتكم من الطلب الإحصانَ وبشرط أن لا تكون إرادتُكم وإرادةُ النساء اللاتي تَنكحوهن السفحَ أي صبَ المني فقط، بل تكون إرادتُكما بناءَ الأسرة التي ستبدأ تؤتي ثمرتها من بنين وبنات يتربَّوْن في ظل أمومة حانية وأبوة كادحة، فحينئذ يتحقق معنى الزوجية فيكون كل واحد منهما زوجا للآخر.
القسم الثاني من الآية هو قوله تعالى: “فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً”:
الفاء للاستئناف[17] أي لقطع المعنى السابق وبدء غيره، و”ما” موصولة متضمنة معنى الشرط و”اسْتَمْتَعْتُم” صلته وضمير المفرد في “بِهِ” يعود إلى لفظ “مَا” وضمير جمع المؤنث في “هُنَّ” يعود إلى معنى “مَا” في “ما وَرَاء ذَلِكُمْ”، والفاء في “فَآتُوهُنَّ” جواب الشرط.
ومعنى “اسْتَمْتَعْتُم” انتفعتم، لقوله تعالى: “رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ”[18] و قوله تعالى: “أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا”[19] و قوله تعالى: “فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ”[20]. فيتبين من هذه الآيات أن الاستمتاع بمعنى الانتفاع.
وأما “أُجُورَهُنَّ” فبمعنى مهورهن[21]، قال تعالى ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ … “[22]. وقال تعالى ” … وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ِ…”[23] وقال تعالى “… فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ…”[24] وقال تعالى “…وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنّ…”[25] ومن كل ما مر من الآيات يتضح أن المهر يطلق عليه أجر.
فعلى هذا كله يكون معنى قوله تعالى: “فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً” كما يلي:
بَيّنتُ لكم فيما سبق أيها المسلمون ما يحرم عليكم وما يحل لكم من النساء، والآن أبين لكم حكما جديدا هو كذا: من انتفعتم بها من النساء اللاتي أُحِلَّ لكم التزوجُ بهن، من بعد عقد التزويج الذي جرى ذكرُه، فانتفعتم بها بالإتصال الجنسي فآتوهن مهورَهن المفروضة لهن كاملةً، فإذا تراضيتم بينكما على إسقاط شيء منها أو زيادة شيء عليها من بعد تعيينه فلا جناح عليكم في ذلك، إن الله لعليم فيعلم ما فيه صلاحكم، لحكيم فيضع لكم ما تقتضيه حكمته. والمعنى الجديد الذي بينه الله تعالى في هذا الجزء من الآية هو وجوب إيتاء الزوج زوجتَه مهرَها المفروض لها كاملا بالدخول عليها، ولا يأثمان بنقص المفروض أو الزيادة عليه.
ثالثا- و بعد ذلك يقول تعالى: “وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ … ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُغَفُورٌ رَّحِيمٌ”[26].
وفي هذه الآية أرشد الله تعالى الذين لا يستطيعون أن ينكحوا المحصنات المؤمنات لقلة ذات اليد ويخشون على أنفسهم العَنَتَ (المشقة والجهد من مقاومة داعي الفطرة)، إلى أن يتزوجوا من الإمآء بإذن أهلهن، ومن جانب آخر بين تعالى أن صبرهم بحبس أنفسهم عن نكاح الإماء مع العفة هو خير لهم من نكاحهن.
ولو كان المراد من قوله تعالى: “فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً” هو المتعة كما يدعونها، لما أعقبه الله تعالى بقوله: “وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ…”، وحسب ادعائهم فإنه تعالى بين أسهل الطرق وهو المتعة التي تُستطاع بأدنى شيء من المال وفي أقل مدة من الزمان، حتى بمرة واحدة من جماع[27]، وهو ينتهي في عدة دقائق. فهل يوجد رجل من الناس لا يستطيع هذا؟ فهل يعقل بعد ذلك أن يقال: “وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ…”؟ وليس هناك أحد لم يستطع. وهل يقع هذا الخبط في كلام الله تعالى؟.
أما المعنى الصحيح لقوله تعالى: “وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ…” فهو كما يلي: من لم يتمكن من نكاح المحصنات المؤمنات نكاحا صحيحا دائما كما سبق ذكره وخشي على نفسه العنت فعليه أن ينكح أمة من الإماء بإذن أهلها مع إيتاء مهرها بالمعروف، بشرط أن تكون محصنة غير مسافحة ولا متخذة خِدْنٍ، على أن صبره بحبس نفسه عن نكاح الأمة مع العفة خير له من نكاحها.
وأما قولهم: “ثبت أنه عليه الصلاة والسلام أباح المتعة في حجة الوداع وفي يوم الفتح” فلا يُلتفت إليه، لأن الأحاديث التي يذكر فيها إباحة رسول الله عليه الصلاة والسلام المتعة في حجة الوداع وفي يوم الفتح هي نفسها التي يذكر فيها أيضا نهيُه عليه الصلاة والسلام عنها وتحريمُه إياها[28].
هذا ونرد عليهم أيضا فيما يلي مستدلين بالآيات والأحاديث:
أولا- قال تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ”[29]. يتبين لنا من هذه الآية الكريمة أن المؤمنين المفلحين لا يبذلون فروجهم إلا على أزواجهم أو إمائهم، والذين لا يحفظونها من غيرهما فإنهم ملومون. كما أن المُتَمَتَّعَ بها لا هي بزوجة له ولا بملك يمين ولا هو بزوج لها ولا بسيد، وإنما هي مستأجرة كما يقول مجيزو المتعة، فهما إذن متعديان وزانيان والعياذ بالله!
ولو كانت المُتَمَتَّعُ بها زوجة لكان لها حقوق على زوجها مثل الحقوق التي له عليها لقوله تعالى: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ “[30]، ولحصل بينهما التوارث لقوله تعالى: “وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ…”[31]، ولزال عقد النكاح بالطلاق أو الموت، ولوجبت العدة وما يتعلق بها من الأحكام بعد الطلاق أو الموت لقوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنّ وَلَا يَخْرُجْنَ… “[32] وقوله تعالى: ” وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا…”[33].
ثانيا- قال تعالى: “وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ”[34]، وفي هذه الآية أمر الله تعالى الذين لا يجدون ما ينكحون به من مهر ونفقة بالاستعفاف إلى أن يرزقهم الله تعالى من فضله كي يستطيعوا الزواج. فمن لم يتمكن من أن ينكح المحصنات المؤمنات أو من الإماء بسبب قلة ذات اليد فعليه بالاستعفاف. فلو كانت المتعة حلالا لما أمرهم الله بالاستعفاف والانتظار إلى أن تتيسر لهم الأمور، بل لأرشدهم الى المتعة كي يقضوا أوطارهم.
ثالثا- قال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”[35]، يبين تعالى في هذه الآية أن خَلْقَه زوجا للإنسان من نفسه ليَسكن إليها وجَعْلَه بينهما مودةً ورحمةً هو آيةٌ من آيات الله تعالى.
فهل يتحقق السكون إليها بالمتعة التي لا حد لأقل مدتها؟ و هل توجد مودة ورحمة بين المُتَمَتِّعِ والمُتَمَتَّعِ بها بالدفعة الواحدة من الجماع؟ وهل يتحقق معنى الزوجية بالمتعة؟ وهل يقال لأحدهما زوج للآخر؟ في حين أنه لا يقال للشيء هو زوج للآخر إلا إذا كان هذا الشيء قرينا ومصاحبا وعشيرا لهذا الآخر مدة غير معينة. فلذلك يقول تعالى: “وعاشروهن بالمعروف”[36]، و المعاشرة لا تتحقق إلا بدوام الزوجية.
رابعا- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”[37]، ولو كانت المتعة حلالا في دين الله تعالى لما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم الشباب الذين لم يستطيعوا الزواج بالصوم و لقال لهم: إذهبوا وتمتعوا بالنساء، وحاش له ذلك!
هذا وفيما يلي بعض الأحاديث المبينة تحريم المتعة:
 1- “نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر”[38].
2- قال صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الإستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا”[39].
3- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة وقال: “ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة. ومن كان أعطى شيئا فلا يأخذه”[40].

3- الخلاصة

إن قول الله تعالى: “فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً” يفرض على الرجال الذين تزوجوا بالمؤمنات المحصنات مريدين الإحصان وعدم المسافحة أن يعطوهن مهورهن المفروضة كاملة بالدخول عليهن. ومعلوم أن النكاح الذي يكون به الرجل محصنا وغير مسافح هو النكاح الصحيح الذي يقوم على نية المعاشرة الدائمة كما بيناه. فبذلك تبطل المتعة، لأنه لا يتحقق به الإحصان ولا يقصد به إلا سفح الماء و قضاء الشهوة كما ذكرناه. فتأويل الإستمتاع بالمتعة لا يعتمد على آية ولا حديث، كما أن الإستعمال اللغوي لا يؤيده.
والله ولي التوفيق وهو المستعان

 


[1] – الروم 30/21.
[2] – النحل 16/72.
[3] – البقرة 2/187.
[4] – النساء 4/3.
[5] الفخر الرازي، التفسير الكبير 4/41، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة، 1999م- 1420ه.
[6] – أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الإستبصار، أبواب المتعة.
[7] – أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الإستبصار، أبواب المتعة.
[8] – الفخر الرازي، التفسير الكبير 4/41.
– [9] Kur’an yolu 2/34, diyanet işleri başkanlığı yayınları Ankara 2003.  وkur’an yolu  (سبيل القرآن) هو ترجمة القرآن وتفسيره باللغة التركية، كتبها هيئة من العلماء الأتراك. يقولون في تفسير الآية الرابعة والعشرين من سورة النساء بعد تحدثهم عن هذا الموضوع بإسهاب: “وسبب الزواج في الإسلام بناء الأسرة وإحياؤها، تلك الأسرة التي هي إحدى الحاجات الأصلية للفرد والمجتمع، وهذا ما يوجب كون علاقة الزوجية دائمة ومستمرة، وأما إشباع الشهوة الجنسية فيأتي بعده. ولكن الزنا اشتد تحريمه لكونه من أكبر الكبائر فيتبين أن نكاح المتعة قد أبيح استثنائيا للمؤمنين الذين حرموا من الزواج الدائم واحتاجوا لإشباع رغبتهم الجنسية فوقعوا في الضيق والحرج، فجاءت الإباحة لهذه الضرورة”.
[10] – النسآء 4/24
[11] – الفخر الرازي، التفسير الكبير 4/43.
[12] – النساء 4/19- 23.
[13] – النساء 4/24.
[14] – محي الدين الدرويش، إعراب التقآن الكريم 2/194. اليمامة دار بن كثير، الطبعة الثالثة 1992م 1412ه؛ مشكل إعراب القرآن.
[15] – الشيخ محمد مخلوف ، صفوة البيان لمعانى القرآن ، ص 112 .
[16] – لأن الإماء يباح لمالكيهن وطؤهن بعد الإستبراء وإن كان لهن أزواج في دار الحرب.
[17] – محي الدين الدرويش، إعراب التقآن الكريم 2/194. اليمامة دار بن كثير، الطبعة الثالثة 1992م 1412ه. مشكل إعراب القرآن.
[18] – الأنعام 6/128.
[19] – الأحقاف 46/20.
[20] – التوبة 9/69.
[21] – لسان العرب ج8 ص 329.
[22] – الأحزاب 33/50.
[23] – الممتحنة 60/9.
[24] – النساء 4/25.
[25] – المائدة 5/5.
[26] – النساء 4/25.
[27] – يجوز نكاح المتعة عند القائلين به بغير شهود ولا ولي و لو كان المتمتع بها بكرا و يجوز بالمرة الواحدة من الجماع . الإستبصار 3/145- 150.
[28] – مسلم، النكاح 18، 20، 22، 23، 26، 28؛ ابن ماجة، النكاح 44 (1962)؛ ويروى في سنن ابي داود “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة في حجة الوداع” (أبي داود، النكاح 14).
[29] – المؤمنون 23/5- 7.
[30] – البقرة 2/228.
[31] – (النسآء 4/12.
[32] – الطلاق 65/1.
[33] – البقرة 2/234.
[34] – النور 24/33.
[35]– (الروم 30/21.
[36] – النساء 4/19.
[37] – البخاري، الصوم 10، النكاح 2، 3؛ مسلم، النكاح 1، 2؛ أبو داود، النكاح 1؛ الترمذي، النكاح 1؛ النسائي، النكاح 3، الصيام 43؛ إبن ماجه، النكاح 1؛ الدارمي، النكاح 2؛ أحمد 1/58، 287، 424، 425، 432، 447.
[38] – البخاري، النكاح 31؛ مسلم، النكاح 29، 30، 31، 32؛ الدارمي، النكاح 16؛ ابن ماجة، النكاح 44؛ النسائي، النكاح 71؛ الترمذي، النكاح 28؛
[39] – مسلم، النكاح 21؛ النسائي، النكاح 71؛ ابن ماجة، النكاح 44؛ الدارمي، النكاح 16؛ مسند الإمام أحمد بن حنبل 3/406.
[40] – مسلم، النكاح 28؛

التعليقات

  • السلام عليكم
    أريد أن استفسر عن حديث (كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء…} كيف يأذن النبي بشيء حرمه الله؟ فالزنا محرم في دين الله منذ عهد آدم عليه السلام .
    جزاكم الله خيرا أنتظر جوابكم

    • وعليكم السلام ورحمة الله
      الرواية الكاذبة تنبئ عن نفسها، وهذه مثال على هذا
      كما ذكرت فإن الزنا محرم في دين الله تعالى منذ آدم عليه السلام، كما أنه محرم بالفطرة، أي أن الإنسان لا يستسيغه ويعلم نكارته حتى لو لم يبلغه دين، فكيف لرسول كريم يبيح نوعا من الزنا تحت مسمى خادع؟!
      لمزيد من التفاصيل أنصح بقرءة مقالة (نكاح المتعة في ضوء القرآن) من الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=1471

    • هذا ليس من ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم يقينا ولو ذكره الإمام مسلم لأن الإمام مسلم بتر هذه الرواية باسم الإختصار وهي من طريق عبدالعزيز بن عمر وهو ليس من أهل الحفظ والاتقان كما ذكر ابن حنبل وفي هذا الطريق أن هذه القصة وقعت في حجة الوداع وفي كل الطرق الأخرى ليست ثمة هذه الألفاظ وأن القصة وقعت في فتح مكة فإن ضربنا كل طريق عبدالعزيز بن عمر فلا نجد إلا الأمر بمفارقة النساء بعد انتهاء الأجل لمن لم يزيد في المدة وسبرة لم يزيد في المدة برداء أو مهر آخر فالنهي والتحريم عليه لأنه لم يزد فالنهي هو على عدم البقاء معهن إن لم تتم الزيادة بل المسلمون على شروطهم وبعد ثلاث أيام وجب الفراق وعدم الزيادة لمن لم يزد شيئا فهذا ليس نكاحا مطلقا دائميا كما ظن سبرة ربما ولم يفهم معنى النهي لأنه لو كان زاد في الأجر بشيء آخر غير ردائه الأول لبقي مع من استمتع ولكن تناقضات ابنه المستمرة مع جهالة وقت الحصول تدل على جهالة الراوي ابنه فلا يمكن الاستدلال به أصلا

  • الجواب على كل ما سبق:
    آية فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة وردت بعد أن تبتغوا بأموالكم محصنين فالابتغاء بالمال فيه الإحصان لأنه عقد وعلى هذا ذكر المفسرون أنه نكاح المتعة وليس سفاح المتعة ثم إن الإحصان ليس فيه الديمومة وإلا لتم تحريم الطلاق والخلع ويكفي فيه طرف واحد لفعله بل الإحصان بمدة معلومة أقوى.
    الإستمتاع هو طلب التمتع كما أورده الراغب في المفردات.
    الشطر الباقي (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) والتراضي يكون من طرفين وليس من طرف مثل (أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) ومثل (فإن أحبا أن يتزايدا تزايدا وإن أحبا أن يتتاركا تتاركا) الحديث. فالتراضي من بعد الفريضة وإيتائها يدل على وجود تراض جديد وهو التزايد في الأجر والأجل أو التتارك والفراق كما هو أصل عقد المتعة. وليست الآية (ولا جناح عليكم فيما رضين لكم منه من بعد الفريضة) مثل (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه) بل تراضيتم وقد ذكر ابن عادل الحنبلي في تفسيره اللباب كلاما قويا في هذا الجانب.
    أما الاستدلال بآية (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا) لا تدل على شيء مما تريد بل ليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ولا نساءا يستمتعون بهن فالمتعة ليست بهذه السهولة لا يجدها الأغلب ولو وجد المال فليستعفف ولا يزني بامرأة جاره مثلا إلا إن كانت المتعة عندكم سفاحا وليست نكاحا فتكون من وسائل الاستعفاف إذا ليستعفف بها كما حصل عندما اشتكى الصحابة العزوبة وقلة النساء فقيل لهم بأن ينكحوا المرأة إلى أجل ولم يقال لهم كما تريدون بهذه الآية على مفهومكم فالمتعة إذا من وسائل الاستعفاف كتابا وسنة بل هي نكاح.
    أما الاستدلال بآيات (والذين هم لفروجهم حافظون …. فمن ابتغى…) الآيات في سورتي المؤمنون والمعارج المكيتان نزلتا في مكة قبل الهجرة فليس الاستدلال بها صحيح أبدا لهذا السبب
    السور المكية التي نزلت قبل الهجرة وبمكة تؤكد أن نكاح المتعة المفترض أنه ليس مما وراء كما تظنون لأن نكاح المتعة شرّع بعده أيضا وبعد خيبر فنهي خيبر أيضا منسوخ وتم الاستمتاع والأمر بمتعة النساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خيبر يقينا وخيبر بعد الهجرة فهل الله ورسوله عندكم خالفوا الآيات المكية أولا وخرجوا عليها ولو لسويعة أو ساعة من نهار؟! فالمفترض إذا أن تقولوا بنسخ تلك الآيات القديمة بسبب ما وقع بعدها من تشريعات تخالفها عندكم.
    نكاح المتعة نكاح صحيح إلى الأبد من الكتاب وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم

    • الواضح من كلام الأخ راشد غير المفهوم مع أني أعدت قراءته أكثر من مرة بطلان قوله، فأمر الدين ليس بحاجة للف ودوران وتأويل وزيادة آيات وكلمات ليست في مكانها ووضعها في مكان آخر لتحقيق أمر نؤمن به كالمتعة ومع هذا بقيت مبهمة!!!!

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.