حبل الله
سفر المرأة من غير محرم

سفر المرأة من غير محرم

سفر المرأة بغير محرم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحابته أجمعين. أمّا بعد:
هذا الموضوع من المواضيع التي تثير جدلا واسعا في بلاد المسلمين، وهذا الجدل مصدره عدم وجود رؤية واضحة للنصوص الشرعية التي تعالج هذا الموضوع، فمناقشة الأدلة دون النظر إلى الجو العام الذي قيلت فيه، والتمسك بالحرفية دون المقاصد والمآلات خلق مشكلة لدى الكثيرين. إنّ إطلاق الفتوى بتحريم سفر المرأة وحدها في وسائل النقل الحديثة جعل الكثيرين يشككون بقدرة التشريع على مواكبة التغير الكبير الذي يحصل على منظومة الحياة المعقدة، وما نراه أنّ الله قد ختم شرائعه برسالة الإسلام وجعل فيها من المرونة ما يكفي لتكون دستورا للمسلمين إلى قيام الساعة مهما طرأ على منظومة الحياة من تطور وتقدم. وأنّا أحاول في هذا الموضوع أن أقف على أهمّ ما جاء بهذا الخصوص من أدلة للوصول إلى قول يرضي الله تعالى أولا، ويحقق مبتغى التشريع في إقامة أمر الدين والدنيا، بما يحقق السعادة للفرد والمجتمع، بعيدا عن التعصب والتبعية العمياء انسجاما مع مقاصد الشريعة الإسلامية القائمة على التيسير ورفع الحرج.   
تعريف المحرم لغة : المَحْرَمُ : الحَرَاْمُ ويقال : هو ذو مَحْرَم منها، إذا لم يحل له نكاحها[1] 
تعريفه اصطلاحاً :
قال ابنُ الأثير : ” ذو المَحْرم : من لا يحل له نكاحها من الأقارب، كالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم ” [2] ، وقد أدخل ابن قدامة الزوج في تعريف المحرم اصطلاحا لصلوحه أن ينوب مكان أحدهم ، فقال: ” المَحرمُ : زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح كأبيها وابنها وأخيها من نسب أو رضاع ” [3]
وعندما تطلق كلمة محرم ينصرف إلى الأذهان علاقته بالمرأة المحرَّم عليه الزواج منها، وأكثر ما يبحث بخصوص اشتراط البعض ملازمته للمرأة عند سفرها.
وقد بحث الفقهاء هذا الموضوع عند تعرضهم لوجوب الحج على النساء. مع نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أن تسافر المرأة بغير محرم. ونظرا لاختلاف الأدلة التي اشترطت المحرم وعدم تحديدها زمنا معينا أو مسافة معينة لوجوبه فقد اختلفت آراء الفقهاء على أقوال أربع كما يلي:
أ_ فمنهم من تمسك بظاهر الأحاديث المذكورة، فمنع سفرها بغير المحرم، ولو كان لفريضة الحج، ولم يستثن من هذا الحكم صورة من الصور.
ب_ ومنهم من استثنى المرأة العجوز التي لا تُشتهى، كما نُقل عن القاضي أبي الوليد الباجي، من المالكية، وهو تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، كما قال ابن دقيق العيد، يعني مع مراعاة الأمر الأغلب.
ج_ ومنهم من استثنى من ذلك ما إذا كانت المرأة مع نسوة ثقات. بل اكتفى بعضهم بحرة مسلمة ثقة.
د_ ومنهم من اكتفى بأمن الطريق. وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
وحتى لا نطيل في ذكر كل ما ورد اكتفيت بمناقشة رأيين متقابلين؛ الأول يقول بتحريم سفر المرأة مطلقا من غير محرم، والثاني يقول بجواز سفر المرأة من غير محرم عند أمن الطريق.
 الرأي الأول:
يقول بحرمة سفر المرأة من غير محرم، وقد ذهب لهذا القول جمهور العلماء، وقد ادعى بعضهم الإجماع على ذلك ولكن لا حجة لهم فيه لكثرة المخالفين. واستدلوا بما يلي:
1_ عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً ، إلا ومعها أبوها ، أو ابنها ، أو زوجها ، أو أخوها ، أو ذو محرم منها )[4].
2_ عن أبي هريرة رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر ميسرة يوم إلا مع ذي محرم )[5].
3_ عن قزعة مولى زياد قال: سمعت أبا سعيد وقدغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة قال: (أربع سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال يحدثهن فأعجبنني وآنقنني: أن لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم…) [6]
4_ عن ابن عمر رضي الله عنهما : ” أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم)[7]
5_ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو محرمة منها ) .
[8]
6_ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم ) ، فقال رجل : يا رسول الله إنّي أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا ، وامرأتي تريد الحج فقال : ” اخرج معها).
[9]
ولفظ مسلم : ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) فقام رجل فقال يا رسول الله إنّ امرأتي خرجت حاجّة ، وإنّي اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال : ( انطلق فحج مع امرأتك ) .
قال الحافظ في الفتح: ” وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات .. وقال ابن المنير : وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين ”
[10].
الرأي الثاني:
رأينا أنّ المحرم ليس بشرط، وللمرأة المسلمة أن تسافر وحدها عند أمن الطريق. وقد اختار هذا القول من قبل عدد كبير من الفقهاء وعلى رأسهم الإمام ابن تيمية رحمه الله. وهذه أدلتنا على ما نقول:
1_ ليس في القرآن الكريم أي آية تشير إلى وجوب المحرم عند سفر المرأة، وكل آية ذكرت السفر أو أشارت إليه جاءت عامة في الرجال والناس على حد سواء وذلك مثل قوله تعالى:
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (الأنعام،11)، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (العنكبوت،20) {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} (الروم، 42) {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} (النساء، 101) {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(التوبة، 41)
إذا علمنا أنّ السنة ما هي إلا فهم النبي للقرآن الكريم وتطبيقه إياه؛ فإنّ عدم وجود أصل التحريم في القرآن يُخرج الأحاديث التي نهت عن سفر المرأة دون محرم من كونها تفيد حكما ثابتا، وإنّما تفهم هذه الأحاديث في دائرة معينة كفقدان الأمن في الطريق لوجود محاربين أو غادرين فيه، وما يؤيد هذا الفهم عدم ثبات الرويات على مسافة محددة أو زمن معين يلزم المرأة باصطحاب محرم؛ فهو في بعض الروايات ثلاث ليال وفي أخرى يوم وليلة، وفي بعضها مسيرة يومين وفي غيرها مطلقة عن الوقت، وهذا الإختلاف يوحي بأن النّبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ذلك في حالات معينة تختلف كل واحدة عن الأخرى.
ليس هذا فحسب بل إن هناك روايت صحيحة لم تشترط المحرم أصلا، ومنها:
2_ : ما رواه البخاري في صحيحه (أن عمر رضي الله عنه أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن)[11]. فقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم ينكر غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك.
3_ : روى البخاري عن عدي بن حاتم قال: (بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل. فقال يا عدي، هل رأيت الحيرة؟ قلت لم أرها وقد أنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله. قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيئ الذين قد سعروا البلاد… قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله)[12]
 هذا الحديث ينبئ عن مستقبل الإسلام وانتشاره، وارتفاع مناره في الأرض. وهذا الخبر لا يدل على وقوع ذلك فقط، بل يدل على جوازه أيضا، لأنه سيق في معرض المدح بامتداد ظل الإسلام وأمنه.[13] ويعزز هذا الفهم قَولُ عَدِيٍّ رضي الله عنه: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ.
هذا ونود أن ننبه إلى أمرين مهمين :
أولا: إنّ الأصل في الأحكام غير التعبدية الإلتفات إلى المعاني والمقاصد بخلاف أحكام العبادات، فإن الأصل فيها هو التعبد والامتثال، دون الالتفات إلى المعاني والمقاصد. ولا شكّ أنّ النّهي في الأحاديث إنّما جاء لمعنى معين وهو حفظ المرأة في حال عدم أمن الطريق، فإن كان الطريق آمنا فلا يشترط المحرم؛ لأنّ الحكم الشرعي يدور مع العلة حيث درات، فإن انتفت انتفى الحكم.  
ثانيا: إنّ من مقاصد الشريعة المهمة التيسير ورفع الحرج، والقول بتأثيم المرأة التي تخرج من غير محرم هو القول بتأثيم جماعي يشمل الطالبة والمدرسة والعاملة، كما يشمل أولياء الأمور والأهالي لسكوتهم على هذا المنكر المفترض، ولا يمكن تصور هذا.

كتبه: جمال أحمد نجم

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.