حبل الله
تعظيم الأنبياء وأثر ذلك في الشرك

تعظيم الأنبياء وأثر ذلك في الشرك

تعظيم الأنبياء وأثر ذلك في الشرك
بعث الله تعالى النبيين مبشرين ومنذرين، وما بعث الله من نبي إلا دعا قومه لعبادة الله وحده وأن لا يشركوا به شيئا، وما من نبي ولا رسول إلا حذر قومه من الشرك لخطورته، وقد أكدّ الأنبياء جميعا على بشريتهم وأنهم عباد مُصطفَون، لا يملكون إلا تبليغ ما أمرهم به الله تعالى من الوحي.
لقد كانت تلك دعوة الأنبياء، وكان في الجهة المقابلة دعاة الفتنة وعلى رأسهم إبليس عليه لعنة الله، فعداؤه لبني آدم لم يفتر منذ أن قطع العهد على نفسه بحرفهم عن صراط الله المستقيم، وقد قص القرآن الكريم وقاحة الشيطان حيث قال: «قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ» (الأعراف، 7 / 16-17). ذاك عهد قد قطعه الشيطان على نفسه، وهو لا يكلُّ ولا يملُّ حتى يوفي بعهده، ولا يجد لعهده وفاءً كصد الناس عن سبيل الله وطريقه القويم، فهو يقعد للناس في سبيل الهداية فيصدهم عنه بتزيين القبائح تارة وبتحريف الحقائق تارة أخرى، ومن حبائل الشيطان التي وقع الكثيرون في شراكها إظهارُه للأنبياء أنّهم في مرتبة تفوق مرتبة الإنس. ولا يصعب على الشيطان هذا، فهناك أتباعه من شياطين الإنس، حيث يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، فأعوانه من الإنس يضلون الناس عن الحق وهم يرفعون من درجة الأنبياء حتى التأليه، وتلك الدعوة تجد لها صدى مدويا لدى العوام؛ لأن تصور عظمة الأنبياء لدرجة الإرتقاء بهم فوق مستوى البشرية قد ضرب في عمق التفكير البشري منذ أن بعث الله الرسل مبشرين ومنذرين، والقرآن الكريم يقص لنا خبر هؤلاء بقوله تعالى: « وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا. قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا» (الإسراء، 17 / 94-95). «وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا» (الفرقان، 25 / 7).
يقع كثير من الناس اليوم في الحيرة تجاه هذه الآية: « قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» (الكهف، 18 / 110). والسبب في حيرة هؤلاء أنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كائن فوق البشرية، والآية تنطق بخلاف زعمهم، ورغم ذلك لا يرون بدا من إغماض أعينهم هروبا من اتباع الحق، وقد صدق الله فيهم إذ يقول :“مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ” (البقرة،1/18) 
وقد ألّه النصارى عيسى عليه السلام، وقد بينا ذلك فيما سبق. وعلى سبيل المثال يعتقد المذهب الكاثوليكي لولا عيسى لما خلق الله تعالى الكون، فهم يعتقدون بأنّ كل ما في السموات والأرض ظاهرا وباطنا والسلطة والسيادة والحكم كلها خلق بواسطة عيسى ومن أجله.[1]
ومثل هذه العقيدة الفاسدة قد تسرب إلى عقيدة المسلمين. فقد جاء في حديث موضوع أن الله تعالى قال: “لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك”.[2] يزعم بعض أصحاب الطرق الصوفية أن الحقيقة المحمدية هي مبدأ الخلق، وقد خُلقت ولم يكن شيء غير الله. ومنه ومن أجله خلق كل شيء. والحقيقة المحمدية نور فهو مبدأ وأصل الكون. وقد وصفت الحقيقة المحمدية بالأزلية والوجود مع أنه لا يوصف بهما إلا الله تعالى. والحقيقة المحمدية هي المصدر الوحيد الذي أخذ منها الأنبياء والأولياء العلم اللدنّي. وهم وسطاء ليصل الإشراق الصادر من تلك الحقيقة إلى الخلق.[3]
يعتقد المذهب الكاثوليكي أن عيسى إله حقا وإنسان حقا. فلذلك هو الوسيط الوحيد بين الله والإنسان.[4] كذلك يعتقد بعض أصحاب الطرق الصوفية بأن الله والحقيقة المحمدية هما الوجهان للحقيقة الواحدة.[5]
وقال البعض في هذا الموضوع شعرا، ونورد معنى هذا الشعر: أحد هو أحمد فالميم بينهما يفرق، فالعالم كله في هذه الميم يغرق. يعني أن “أحد ” هو الله،[6] وأحمد هو اسم النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكر في القرآن الكريم. ما دام أحد هو أحمد، وأحد هو الله فالنتيجة أن الله هو أحد أي محمد.. وعلى رأي قائل هذا الشعر أنه لا فرق بين أحد وأحمد إلا الميم، وهذا الفرق في الكتابة وهو من أجل أحمد. لأن الكون في رأيه محاط بهذه الميم!. لا شك أنه لا علاقة للإسلام بهذه الأفكار المنحرفة والعقائد الباطلة. يقول الله تعالى:
«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ» (آل عمران، 3/144).
«قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ » (فصلت، 41/6).
«قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً. قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً. إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً» (الجن، 72/21-23).

[1]   التعاليم الدينة للكنيسة الكاثوليكية، الفصل. 331.
[2]  كشف الخفا لإسماعيل بن محمد العجلوني، بيروت، 1988 / 1408، جـ . 2، صـ . 164.
[3]   محمد دميرجي، “الحقيقة المحمدية”، الموسوعة الإسلامية لوقف الديانة، جـ . 15، صـ .179-180.
[4]   التعاليم الدينة للكنيسة الكاثوليكية، الفصل. 480.
[5]   محمد دميرجي، “الحقيقة المحمدية”، الموسوعة الإسلامية لوقف الديانة، جـ . 15، صـ .179-180.
[6]    Ali Ramazan DİNÇ, İki Cihan Serveri Peygamberi Zîşânımız, Yeni DünyaDergisi, 5859sayılar, AğustosEylül1998, s. 32.

التعليقات

  • تقديس الانبياء يؤدي لنتيجتين خطيرتين
    الأولى: الوقوع في الشرك حيث يتسرب لأذهان المؤمنين بهم أنهم شركاء لله تعالى في قبول الاعمال واستحقاق التعظيم والتقديس والأمثلة على ذلك كثيرة فتقديس النصارى للمسيح يساوي تقديسهم لله وكذلك البوذيون وغيرهم.
    الثاني: اظهار الانبياء على أنهم فوق مستوى البشر وانهم مزودون بخصائص العصمة المطلقة يجعلهم غير صالحين لأن يكونوا قدوة حسنة، فكيف يقتدي غير المعصوم بالمعصوم؟
    يختلف الناس في فهم عصمة الانبياء والحقيقة أنهم معصومون في التبليغ عن الله فقط أي بوصفهم رسلا، أما السلوك فهم غير معصومين فيه فربما يصدر منهم الخطأ في التقدير والاجتهاد، ومثل ذلك كثير في حق الأنبياء، ورغم ذلك نجد من يقول أنهم معصومون مطلقا، وقد تطرف فريق من المسلمين وادعوا العصمة لغير الانبياء كالأئمة الأثنا عشر عند الشيعة، وشيوخ الصوفية وغير ذلك وكله من مظاهر الشرك والعياذ بالله سبحانه.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.