حبل الله
الربا والزكاة

الربا والزكاة

الربا والزكاة
قال الله تعالى: «وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» (الروم، 30/ 39).
وقال تعالى: «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ» (البقرة، 2/ 276).
وفي هذه الآية يخبر الله تعالى أنه يمحق الربا، أي: يذهبه، إما أن يذهبه كليا من يد صاحبه، أو يَحْرمَه من بركة ماله فلا ينتفع به، بل يعذبه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة. كما قال تعالى: «قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ» (المائدة، 5/ 100). وقال تعالى: «وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّم» (الأنفال، 8/ 37). وقال: «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّه» (الروم، 30/ 39) .
القرض الربوي لا يعطى إلا لمن قدم ضمانات تكفل استرداد الديون، والحصول على القرض ليس من السهل، لأن تقديم الضمانات المشروطة للحصول عليه ليس بسهل، فيصبح المال حكرا عند هذا العدد القليل في المجتمع. وهذا يؤدي إلى فساد التوازن الإقتصادي في المجتمع.
ذلك أننا نفترض أن هناك 2.000.000 ليرة متداولة في الأسواق، وحين نزيد عليها 1.000.000 ليرة أخرى بالقروض الربوية نرى في الأسواق زيادة في النشاط ، ولكن هذا النشاط مؤقت ولا يستمر طويلا. لأنه سيسحب من الأسواق 1.100.000 ليرة عند نهاية الأجل، ذلك إذا اعتبرنا نسبة الربا 10% وهي أقل نسبة ربا. وينخفض مقدار الليرة المتداولة إلى 1.900.000 ليرة. ولتحتفظ الأسواق بنشاطها المعتاد تحتاج إلى 1.100.000 ليرة. وحين يكون هذا المقدار بالقرض الربوي سينقص المقدار المتداول إلى 1.790.000 ليرة. وبتكرار هذه العملية لا تكاد تبقى في الأسواق الليرة المتداولة الحرة.
وبدون أن يدخل 1.000.000 ليرة عن طريق القرض الربوي ينقص المقدار المتداول في الأسواق بجمع البنوك الربوية الأموال من الأسواق، وبهذا نستطيع أن نقول أن المعاملة الربوية هي من الأسباب الأساسية في الأزمات الإقتصادية وجمود الحركة السوقية. بالإضافة إلى ذلك ارتفاع الأسعار المستمر. والنتيجة الحتمية هي ازدياد الفقر.
لو افترضنا أن البنك يعطي إلى أصحاب المودوعات 5%، وبعد 7 سنوات المبلغ 1.000.000 يصل إلى 1.475.000 بزعم أن الربح كان 50% تقريبا. وفي الحقيقة فإن أصحاب المودعات هم كذلك يخسرون. لأنه في حالة عدم القرض الربوي فإن العاملين يحصلون مقابل عملهم ما يكفيهم من مصارف حياتهم اليومية وهم راضون بذلك لأنهم لا يدفعون تكلفة للنقود. أما في معاملة القروض الربوية فالربا تكلفة؛ وهذه التكلفة بطبيعة الحال تنعكس على الأسعار. وبإرتفاع الأسعار يقل دخل أصحاب المودوعات لأنهم يأخذون 5% من نسبة الربا والتي هي بالأصل 10%. كما ينقص رأس المال. وعلى سبيل المثال: الذي أودع في البنك 50 ليرة بربا 5% حين كان كغم من السكر ب 50 قرشا. وبعد 7 سنوات تصل 50 ليرة إلى 73.75 ليرة. ولكن في هذه المدة قد يرتفع سعر السكر إلى 195 قرشا. قبل 7 سنوات كان يستطيع أن يشتري بـ 50 ليرة 100 كغم من السكر؛ والآن يستطيع أن يشتري بـ 73.75 ليرة حوالي 38 كغم من السكر. وبهذا نستطيع القول إن قيمة المودعات قد قلت 62%.
الفلاحون والتجار وأصحاب الحرف الذين لهم دور هام في المجتمع؛ يستعملون نقودهم في أعمالهم ولا يودعونها في البنوك. ولكنهم سيفتقدون الإستطاعة على القيام بأعمالهم، لأن النظام الربوي أنزل مقدار النقود المتداولة الحرة إلى 1/20 .
والذي يعتمد في إنتاجه على القرض الربوي يضيف 20% إلى السعر الأصلي للمنتجات لأنهم سيدفعون 10% . وتربح الشركة خلال السنة 100.000 ليرة من مبلغ مقترض مقداره 1.000.000. وهذا حين نفترض أن الأوضاع السوقية استمرت في حالة جيدة. وهذه النقود ربح صاف لهم، لأنهم يستغلون مكانتهم التي حصلوا عليها بأموالهم الكثيرة في دفع تكاليف العمل. وفي السنة الثانية يكون الربح 110.000 ليرة، لأن مقدار القرض الربوي سيكون 1.100.000 ليرة. وبعد 7 سنوات يكون الربح الإجمالي 950.000 ليرة. هكذا تتكاثر عندهم الأموال وتقل في الأسواق. وأفلس الذين هبط دخلهم السنوي تحت نسبة الربا، وعجزوا عن سد ديونهم.
والربح الذي حصل عليه المرابون وهو 950.000 ليرة لا يكون نقدا. ذلك أنهم يشترون العقارات بأكثر مما يملكون من النقود. وهذه العقارات تفقد قيمتها بسبب تلاشي النشاط السوقي. وهم دائما يجمعون الأموال ثم يتركونها كالضرع المحلوب. عنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرِّبَا إِلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرُّشَا إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ».
والإنسان مجبول على حب المال والبخل. والربا يزيد حبه إلى المال. فهم يجمعون المال ليربو الناس. وجمع النقود هو في نفس الوقت سحب ما يتداول في الأسواق من النقود. ولا يوجد في القرآن الكريم أمر أو أية إشارة إلى جمع الأموال. والأوامر كلها للإنفاق. كما قال الله تعالى: « إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ» (التغابن، 64/ 15-17).
يقال في اللغة العربية على الأنبوب نفق. وعلى هذا فالإنفاق هو إمرار الشيء من الأنبوب. والنفقة هي ما أنفق. والنفقة تطلق على ما أنفق الرجل على نفسه وعياله وما تبرع به للمؤسسات الخيرية. كما أن من أنفق في الخيرات يقال عنه أنه قد أقرض الله قرضا حسنا. لأنه قد أنفق لوجه الله تعالى واحتسابا عنده.
النقود هي العمود الأساسي في الإقتصاد؛ لأنها تتكفل بسير الحياة اليومية، وجريان الخدمات المالية هو بمثابة الدم الذي يجري في العروق؛ فهي تحمل الإحتياجات اللازمة للحياة الإجتماعية؛ كما أن الدم الجاري في العروق يحمل ما يلزم للإنسان ليبقى حيا؛ وعدم وصول الدم إلى عضو ما في الإنسان يتسبب في ظهور أمراض، وبزيادة انقطاعه يزداد المرض حتى الموت؛ كذلك تراكم النقود في مكان ما وعدم سيرها في المجتمع يتسبب بأزمة اقتصادية كبيرة والتي قد تؤدي إلى انهيار المجتمع بأكمله.
الإنفاق في سبيل الله مثل الزكاة والصدقة؛ ضرورة اجتماعية لضمان نشاط الأسواق، وتوفير الأمن والطمأنينة وانجاز ما يفيد للمجتمع وأفراده. وإلا فالعواقب السيئة تنتظر. قال الله تعالى: «وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (البقرة، 2/ 195).
للإنفاق في سبيل الله تأثير مضروبي حسابي؛ حيث إن الفقير ينفق ويستهلك ما حصل عليه من الزكاة أو الصدقات. وعلى سبيل المثال فهو يشتري ما يحتاجه من المحلات؛ وأصاحب المحلات يشترون البضاع من المصنع وصاحب المصنع سيوزع هذه النقود لرواتب العاملين في المصنع. أي أن مقدار ما يعطى زكاة أو صدقة لا يزيد ولكن الخدمات التي انجزت بها تضاعفت. كما أن انتقال الثروة من يد إلى أخرى ينشط ويحسن الأوضاع السوقية، وبالتالي تزداد الحيوية في الساحة الإجتماعية كما يضمن التوازن في التوزيع المالي بين أفراد المجتمع وهذا بطبيعة الحال يوفر الأمن. وبمعنى آخر إن انتقال الثروة بين أفراد المجتمع هو الطريق الأمثل في التكافل الإجتماعي. قال الله تعالى في كتابه الكريم: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ» (البقرة، 2/ 261- 263).
كما تبين أن الربا يؤدي إلى تراكم الثروة في يد الأغنياء؛ أما الزكاة فهي انتقال الثروة من الأغنياء إلى الفقراء؛ وهو ما يؤدي إلى زيادة المشترين وبالتالي تحسين الأوضاع الإقتصادية.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.