حبل الله
حكم تجسيد شخصيات الأنبياء في الأعمال الفنية

حكم تجسيد شخصيات الأنبياء في الأعمال الفنية

السؤال: ما حكم تجسيد شخصيات الأنبياء في الأعمال الفنية

الجواب: هذه المسألة من مستجدات العصر ومن المعلوم أنه لا يوجد نص صريح فيها من الكتاب والسنة، لذا لا بد للإجتهاد أن يأخذ مجراه بما ينسجم مع النصوص العامة وروح الشريعة، ومما ينبغي الإشارة إليه أنّ الرأي الفقهي السائد عند المسلمين هو حرمة تجسيد شخصيات الأنبياء في الأعمال الدرامية والسينمائية لما يتركه ذلك من الإنتقاص لأشخاص الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، ونحن نرى جواز ذلك بشرط التزام الضوابط الشرعية، وما لاحظناه أن هذه الأدلة لا ترقى لتحريم أمر لم ينص الشرع بتحريمه، وهم يستدلون بالمصالح المرسلة ولا شكّ أنّ تقدير المصلحة يختلف من شخص إلى آخر، وما ذكره الجمهور يصلح ضوابط لا أدلة، وهذه الضوابط لا ينبغي تجاوزها أو الخروج عنها ، وتراعى هذه الضوابط من خلال هيئة من العلماء تراقب العمل الفني من مبدئه إلى منتهاه.

أدلة الجمهور في التحريم والرد عليها

1_ جاء في عبارة دار الإفتاء السعودية: إن عِصْمَةَ الله لأنبيائه ورُسُله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهم إنسان، ويمتد ذلك إلى أصولهم وفروعهم وزوجاتهم وصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام .

ودليلهم هذا لا حجة لهم فيه، حيث من الظلم أن يقارن المسلم بالشيطان، فالشيطان عدوٌ لله ورسوله كما أنه  ليس من جنس البشر، والعلة التي حالت دون أن يتمثل الشيطان بالأنبياء معدومة بالنسبة للمسلم وخاصة أهل الصلاح والتقوى إذ أنهم أولياء الله، فالقياس هنا مع الفارق العجيب وهو غير معتبر..  ومما لا شك فيه أنّ الأنبياء بشر، وهم يؤكدون طبيعتهم البشرية في حديثهم لأقاومهم وقد وردت آيات كثيرة تؤكد بشريتهم مثل قوله تعالى {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (إبراهيم، 11) {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} (الكهف، 110) {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (الأنبياء، 3)  فالأنبياء بشر على علو منزلتهم، وتجسيد شخصياتهم لا يقصد منه إظهار صورتهم كما هي فهذا غير ممكن، إلا أنّ المسلم يبذل جهده لإظهار سيرتهم، وما التمثيل إلا جهد عصري تقني نسخره في خدمة أصحاب الرسالات عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم.

2_ إن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعا للسخرية والإستهزاء ويتولاه أناس غالبا ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة .

وهذا لا يتحقق إذا أخذت الضوابط الشرعبة بعين الإعتبار بدءاً من اختيار الممثل الصالح ومراعاة الجهود التقنية الكافية.

3_ إنّ المنتجين لهذه الأفلام يقصدون الربح والمال وإيجاد مادة للعرض السينمائي، وليس جديرا بالأنبياء أن يكونوا مادة وسلعة للتربح وجمع الأموال.

أما قصد التربح لا مانع منه شرعا إذا كان العمل يبرز الصورة الصحيحة لحياة الأنبياء، وقد أجاز العلماء الكسب من تعليم القرآن الكريم وعلومه، ولم تمنع قداسة القرآن من التكسب في تعليمه لأنه ليس ثمة تناقض بين الأمرين.

4_ إن تمثيل الأنبياء وتجسيد شخصياتهم مستحيل لما يملكه الأنبياء من هبات إلهية، فتجسيد شخصياتهم يكون من قبيل الإفتراء عليهم.

إن التمثيل يقصد به المحاكاة وليس الإستنساخ ولا يطلب من الممثل إعطاء الصورة تماما فهذا متعذر حتى في تجسيد شخصيات غير الأنبياء ، والهدف من التمثيل أساساً هو تقريب الصورة وجعل المشاهد يعيش مع الحدث وهو من الأساليب العصرية في التعليم وإيصال الأفكار حيث ينشدّ إليها الصغير والكبير على حد سواء.

5_ إن المشتغلين بالفنون من كتبة وممثلين ومخرجين لا يملكون أدنى معرفة بالتاريخ وقد يصدر عنهم ما يسيء للأنبياء بقصد أو بدون قصد.

إنّ وجود الهيئة الشرعية المتخصصة كفيل بتجنب هذه الإخطاء ونحن لا نقول بأن يوكل أمر كتابة النص إلى الفنانين وكتبة النصوص التقليديين وإنما للمتخصصين في التاريخ والشريعة والذين يعرف عنهم غيرتهم على دينهم.

ومما ينبغي الإشارة إليه أنّ الأعمال الدرامية على اختلاف أشكالها هي وسيلة حديثة لإيصال المعلومات عبر المحاكاة وتجسيد الشخصيات، وهي ذات تأثير كبير على علقية الناس وخصوصا الفئات العمربة الصغيرة وكذلك غير المسلمين، فلماذا لا نفعّل هذه التقنية الحديثة في خدمة الإسلام وإيصاله إلى الناس في كل مكان، ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم كل الأساليب المتاحة لتعليم أصحابه؟

ألم يخطّ على الرمل لتفهيمهم ما يريد ؟ ألم يشر بيده الشريفة ؟ ألم يغير من جلسته إذا اقتضى الأمر؟ وفوق هذا وذاك ألم يستعمل القرآن الكريم أسلوب التمثيل والتصوير والتعابير البلاغية؟ ألم يقصّ القرآن الكريم نبأ الذين خلو بأسلوبه الفريد المشوق؟ لقد كانت تلك الأساليب الأعظم تأثيراً في ذاك الزمان، وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يستعمل كل ما من شأنه تسهيل الفكرة لأصحابه.. ألم يقل عليه الصلاة: ( صلوا كما رأيتموني أصلي)؟ ألم يقل:(خذوا عني مناسككم)؟ أليس هو قدوتنا في كل شيء؟ أليس الأعمال الدرامية من أكثر الوسائل تأثيراً في العصر الحديث؟ إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نقول بجواز تجسيد الأنبياء بأعمال فنية عالية المستوى تبرز ما كانوا عليه من خلق عظيم وتوصل رسالتهم إلى البشرية كافة.

تعليق واحد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.