حبل الله
الوساطة المالية غير الربوية

الوساطة المالية غير الربوية

الوساطة المالية غير الربوية

الوساطة المالية غير الربوية ويقال عنها القرض الحسن؛ أو يتفق الطرفان على المضاربة.

أ‌. القرض الحسن

يطلق على الدين اللاربوي اسم القرض الحسن.  وعن عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه

أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: كل قرض صدقة. ( رواه الطبراني بإسناد حسن والبيهقي).[1]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.[2]

ولو شرط الأجل في ابتداء القرض صح القرض وبطل الأجل. وعند مالك يصح أيضا ؛ لأن القرض صار في ذمته كسائر الديون.[3] فللمقرض حق الطلب بدون أن ينتظر حلول الأجل. كما هو مذهب الشافعي والمالكي؛ لا يفسخ عقد القرض بشرط الأجل لأنه لا يجلب منفعة للدائن.[4]

وفي المذهب المالكي لا فرق بين الأجل في القرض وبين الأجل في العهود التجارية الأخرى, فيجب مراعاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم. ولأن المتعاقدين يملكان التصرف في هذا العقد بالإقالة والإمضاء.[5]

وخلاصة القول إن القرض الحسن ليس دينا، فليس فيه منفعة إلا الثواب المرجو من الله تعالى.

ب‌.المضاربة

المضاربة هي عقد على الشركة في الربح بمال من جانب رب المال والعمل من جانب المضارب. ويقوم المضارب بالنشاط التجاري حسب الشروط المتفق عليها. ويشترط أن يكون رأس مال المضاربة نقدا . ويمكن أن يتعدد رب المال. ويتم استعمال رأس المال وفقا لما يتفق عليه الطرفان.

وكانت المضاربة في الماضي تكون بين الأشخاص الحقيقين، ويقومون باستعمال أموال المضاربة بأنفسهم. لذا كان من اللازم أن يكون المال على قدر من الكمية يمكن به القيام بالأعمال التجارية. ولكن الآن أنشئت مؤسسات تقوم بجمع الأموال من أجل المضاربة، ويطلق عليها أيضا اسم “المضارب الوسيط”. وتقوم بوظيفة الوساطة بين رب المال والمضارب.  لأن للمضارب  حق التصرف في كمية معينة من المال تمكنه من القيام بالأعمال التجارية. أما المضارب الوسيط يتصرف في مال المضاربة سواء كان قليلا أو كثيرا.

وعلى المضارب والمضارب الوسيط القيام بالأعمال التجارية وتقسيم الربح حسب المعدل المتفق عليه بينهما وبين رب المال. ولا يشاركان في الضرر الناشئ من العيب إن لم يكن السبب فيه سلوكهما الخاطئ. ويجوز أن يضارب المضارب مع الآخرين إلا أن ينص الإتفاق على عدم قيامه بذلك.[6]

ت‌. تأثير الوساطة المالية غير الربوية

تعطي المصارف للأموال ضمان ربوي. وفي النظام غير الربوي لا تجمع الأموال مقابل الربا، لأنه لا ضمان في فيه حتى على رأس المال.  وأموال المضاربة قد تم جمعها من تحت الوسادة؛ أي الأموال غير المستعملة.

وكل ربح يحصل من الدين فهو ربا. لذا لا يجوز كسب الربح بهذه الأموال بطريقة الدين ظاهرا أو بالدين على صورة البيع. والمضارب يشترك بجميع الأنشطة التي تقوم على الإنتاج وتوفير الخدمات والتوزيع والإستهلاك، ويتحمل المخاطر بهدف كسب الربح. وهذا كله من النشاطات الإقتصادية.

إن المنتجات بالذات هي التي تحرك النقود وترغمها على التداول، وإن سرعة حركتها تعوض عن كميتها. ولو أن مقدار النقود المتبادلة في الأسواق هو مليار واحد من الليرات، وانتقل من يد إلى أخر 100 مرة؛ يمكن القول أن مليار واحد قد عملت عمل 100 مليار. كما يمكن انتاج  كثير من البضائع وتوفير العمل، ولكن لا يمكن انتاج النقود. ولزيادة النقود المتداولة في الأسواق يجب إيراد النقود من الخارج. ولا يقرض المصرف بدون ضمان للربا. وهو بالتالي يعطي الضمان لأصحاب الودائع. فتحمل المصارف نفسها والمدينين على فعل ما لا طاقة لهم به، لأن النقود ليست من البضائع المنتجة.

والنظام  غير الربوي يقوم على أساس الإنتاج وتوفير الخدمات. ولرب المال نصيب من الربح إذا ربح المشروع وإلا فلا. ويتحمل رب المال الضرر إذا لم يكن بسبب قصور أو إهمال من جانب المضارب. أما المضارب فيكفيه أنه لم يحصل على شيء مقابل عمله. ولكن إذا ثبت أن الضرر نتج بسبب قصور المضارب فهو يتحمل الضرر ومن الممكن أن يشارك فيه رب المال حسب الظروف. . وعلى كل حال فقد خسر المضارب في عمله أي لم يكسب شيئا مقابل عمله؛ إذا لم  يكن الضرر بسبب قصور منه . فهذا النظام لا يكلف أحدا إلى فعل ما هو فوق طاقته

يستخدم التجار وأصحاب الحرف أموالهم في أعمالهم التجارية الحرفية، ويشاركون في المضاربة، فيزداد النشاط في الأسواق.

والمرابي يعطي أموله ليربو ثم لا علاقة له بتلك الأموال إلا تحصيل النسبة الربوية المئوية عند حلول الموعد. أما رب المال في النظام غير الربوي فيتابع الأوضاع السوقية لأنها تهمه، لأن المشاركة في الربح والضرر يجعله مسؤولا كالمضارب، بل إن المضارب مسؤول عن إجراء العمل ورب المال مسؤول عن رأس المال، وكلاهما يتكاتف مع الآخر حتى يتم المشروع بالنجاح.

و مصدر الدخل في نظام الائتمان للجماهير العريضة من الشعب هو الأجور والرواتب. ويقوم أرباب العمل بتحديد الأجور أما الحكومة فتحدد الرواتب. إن القوة الإقتصادية تكون تحت سيطرة مجموعة من الناس الأغنياء، مما يجعل الحكومات تقع تحت تأثير مجموعات الضغط الإقتصادي. ويؤدي ذلك إلى أن تستعبد طبقة الأغنياء الناس.

الدَّيْنُ بالفتح والدِّين بالكسر يرجعان إلى أصل واحد. كما قال أبو الحسين أحمد بن فارس: “دين الدال والياء والنون أصلٌ واحد إليه ترجع فروعُه كلُّها. وهو جنسٌ من الإنقياد والذُّل. فالدِّين: الطاعة، يقال دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ. وقومٌ دِينٌ، أي مُطِيعون منقادون”.[7] فالدين الصحيح هو دين يكون الطاعة فيه لله وحده. والطاعة لمن أرسله طاعة له تعالى، لأنه مرسل ومـأمور بتبليغ ما أرسل به.  والطاعة المطلقة يقال عنها العبادة وهي أيضا لا تكون إلا لله تعالى. ونحن نكررها مرات كثيرة  في يوم واحد؛ “إياك نعبد وإياك نستعين” وعبادة الله وحده هي كون الإنسان عبدا له لا لغيره وهذا يعطي الإنسان حرية ما بعدها حرية.

والدين بالفتح، يدخل الإنسان تحت الطاعة. والنظام الربوي يجعل الشعب عبيدا للأغنياء. أما الإسلام الذي يحرم عبادة غير الله؛ حرم الربا. قال الله تعالى: ” الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ. وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ”. (البقرة، 2/  275-280).

والخلل الناجم عن نظام الإئتمان يؤدي إلى البطالة. لأن الكثير من السلع في هذا النظام، تنتج فوق الحاجة، وهذا يؤدي إلى الكساد، لا سيما حين تضاف الزيادة الناتجة من الربا إلى السعر، والكساد يؤدي إلى توقف المصانع عن الإنتاج وفي نهاية المطاف يضاف إلى الشوارع آلاف من العاطلين عن العمل. وقد تجمع الناس إلى مراكر صناعية، تاركين ريفهم وقراهم، ولا دخل لهم إلا ما يتقاضى شهريا من الأجور أو الرواتب، وحين تتوقف المصانع عن العمل، لا يمكن الحصول على الأجور أو الرواتب. وهذه الأوضاع تؤدي إلى زعزعة الأمن الإجتماعي؛ لذا قال الله تعالى: “. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ”.

أما النظام غير الربوي، ينشط إرادة الشعب في إقامة المشاريع ويضمن التوازن في توزيع الثورات. وهو كذلك يمنع الإستثمارات التي لا داعي لها. فلا يضطر الناس أن يهجروا قراهم ومدنهم. ويجعل هذا النظام التغلب على الأزمات الإقتصادية أسهل بكثير، ويقلل الضرر الناتج منها على درجة كبيرة.

كما أن النظام غير الربوي، يوفر السوق الحرة. ولا يحدث إرتفاع الأسعار المتعلق بالربا، لعدم دفع التكلفة للأموال. ويزيد التنافس مع زيادة الطلبات في السلع. أما النظام القرضي الربوي لا يرغب في الأسواق الحرة.

وحين ترتفع الأسعار في الأسواق الحرة ينتظر أنها ستنخفض. لأنه ستجلب السلع إلى الأماكن التي ارتفعت فيها الأسعار. وكثرة السلع تؤدي إلى الخفض في الأسعار.

أ‌. الفوائد الربوية والأرباح

الأرباح هي ماكانت حاصلة من التجارة والفوائد هي ما كانت عائدة من الديون. وما امكننا أن نثبت من الفرق بين الأرباح والفوائد الربوية هي كالتالي:

  1. إن الفوائد الربوية تحدد في البداية. ولا دخل فيها أن يتضرر المدين أو يربح.

والأرباح في التجارة مجهولة في البداية. ولا يعرف من يضارب بـ 100.000 ليرة كم سيربح في نهاية العمل. ولا بد من أمرين للربح؛ الأول: الشراء والثاني: البيع. ويكون الربح إذا كان البيع بأعلى سعرا. نفترض مثلا، تم شراء سلعة بـ 100 ليرة، وكلفت السلعة بالتوابع 5 ليرات، فلا بد أن تباع تلك السلعة بـ 106 ليرات لتربح السلعة ليرة واحدة.

2. إن المجالات في الفوائد الربوية ليست واسعة. حيث لا حاجة فيها إلا أن يقرض وينتظر ليحل الوقت المحدد.

والمجالات في التجارة واسعة؛ من الممكن أن تباع السلعة التي تم شراؤها بـ 100 ليرة على الفور بـ 120 ليرة.

3.  يمكن الشراء بدون أن يكون نقد في الحال. ولكن لا يمكن إقراض مال إلا أن يكون حاضرا. يمكن بيع السلعة بـ 600 ليرة، وقد تم شراؤها من قبل بـ 500 ليرة. وبهذا قد ربح 100 ليرة، كما توفر لديه الفرصة أن يستخدم 500 ليرة لمدة ما.

وكذلك يمكن بيع سلعة لم تكن جاهزة أو حاضرة؛ وتتم هذه المعاملة عن طريق التصنيع أو السلم. وهذه المعاملة غير ممكنة في النظام الربوي.

4. يختلف مفهوم الأجل في المضاربة عن مفهوم الأجل في الدين. الأجل في الدين هو يوم الأداء. أما في المضاربة هو يوم أنهى فيه مدة استعمال رأس المال. مثلا إذا كان يوم 13 من شهر أوغسطس، ففي نفس اليوم يمكن استعامل رأس المال في المضاربة. وتبدأ التصفية في اليوم الأول من شهر سبتمبر.  ومن هذا اليوم يتم تحويل السلع إلى النقود بتحصيل ما يتطلب تحصيله؛ ويفصل رأس المال إلى رب المال، ثم تقسم الأرباح إن كان قد تم المشروع بالربح؛ ويتحمل رب المال الضرر إذا كان هناك من ضرر. أما المضارب فقد خسر عمله، حيث لا يأخذ أجرة مقابل عمله في حالة تحقق الضرر. لذا فوقت تقسيم الأرباح في المضاربة غير محدد. أما ما يذكر في بداية المشروع من الخطط فهي عبارة عن توقعات يرجى تحققها.


[1] الترغيب والترهيب، جـ. 2 /  صـ. 163.

[2] صحيح مسلم، الذكر 38. سنن أبي داود، الأدب 60؛ سنن الترمذي، البر 19.

[3] فتح القدير، جـ. 5 /  صـ. 273.

[4] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، جـ. 5 /  صـ. 47؛ المغني، جـ. 4 /  صـ. 384.

[5] المغني، جـ. 4 /  صـ. 384.

[6] المجلة، المادة: 1413-1430.

[7] مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق عبد السلام محمد هارون. مادة: دين.

التعليقات

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.