حبل الله
التوسل والوسيلة

التوسل والوسيلة

التوسل والوسيلة

التوسل اتخاذ شيء ما وسيلةً وواسطةً. والوسيلة والواسطة ما يُقرِّب شيئا من آخر. وفي بعض الطرق يُتخَذ الوليُ والشيخُ وسيلةً أو واسطةً بين الله تعالى وبين عباده أثناءَ الدعاء، فيُستمد من روحانيتهما. والولي عندهم من يجعلونه وليا لله.

شيخ أفندي – أنت لا تقبل الوسيلة ونحن نملك من الدليل ما يكفي على جوازها. فقد جاء رجل أعمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ملتمِسا منه الدعاء، فقال له:” توضأ وصل ركعتين، وقل: “يا رب إني أتوسل إليك برسولك لتَشفيَني”. فدعا الرجل قائلا أيضا: “يا ربِّ شفِّع فيَّ نبيَّك”. هذا الحديث صحيح، فإن لم تقبله لم نقبلك نحن أيضا.

بايندر – هذا الحديث في سنن الترمذي وابن ماجه ومسند أحمدَ وهو كالتالي:

عن عثمانَ بن حُنَيفٍ أن رجلا ضريرَ البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:” أُدعُ الله أن يُعافيَني، قال: إن شئتَ دعوتُ، وإن شئتَ صبرتَ فهو خيرٌ لك. قال: فادعُه، قال: فأمره أن يتوضأ فيُحسنَ وضوءَه، ويَدعوَ بهذا الدعاء: “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمدٍ نبيِ الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي لتُقضى لي، اللهم فشفِّعه فيّ”[1]. أما هذا الرجل فقد سأل الدعاءَ لنفسه، والمؤمن يدعو لأخيه المؤمن. وفي هذا الموضع كان النبي صلى الله عليه وسلم قد وَعَده بالدعاء له، وأمره أن يدعوَ لنفسه بنفسه بقوله:”اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمدٍ نبي الرحم”. وأما حرف الباء في قوله بنبيك فلعله يُفسَّر على غير وجهه الصحيح.

ومهما يكن، فهو يفيد الإلصاق هنا، أي جعل شيء جزءً من شيئ آخرَ. وعليه يكون المعنى الصحيح للحديث كالتالي: اللهم إني أستعين بك وأتوجه إليك مع نبيك. ولا يمكن معنى غيره لأنه يكون منافيًا لقول الله تعالى في خطابه لنبيه: “قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله” (الأعراف، 7/188).

شيخ أفندي – فما قولك في هذه الآية التي هي دليلٌ آخرُ على مشروعية التوسل: “ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما” (النساء، 4/64)؟

فقد كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفرَ لهم الله، فكان كذلك يفعل. وهذا ما يفعله الناس مع الأولياء. لأن الأولياء ورثة النبي صلى الله عليه وسلم مأمورون أن يفعلون ما كان يفعل النبي صلى الله علهي وسلم.

بايندر – تعلم أن التوبة هي العودة والرجوع، وأن الاستغفار هو طلب المغفرة. وندم المرء على ما اقترفه من ذنوب، وعقده العزمَ على عدم الرجوع إليها أبدا توبة. فليس عندنا إذن الاعترافُ بالذنوب لدى رجال الدين كما هوالحال عند النصارى، فالتوبة لا يُشترط لها شيخٌ يُرجع إليه لعقدها.

والآية التي قرأتَها إنما هي في التوبة والاستغفار، فكانوا إذا أخطؤوا فعصَوا الله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم الله تعالى، ففعلهم هذا يقتضي صدورَ الندم منهم، وهو التوبة، وكذا طلبهم صفحَ الله عنهم هو الاستغفار. وطلب النبي صلى الله عليه وسلم العفوَ من الله هو استغفارُه لهم. وما أجملَ الفوزَ بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم! فليس هذا مَقامَ التوسل.

وكثير من الآيات تدل على رحمة الله تعالى بعباده وقبول توبتَهم. ونورد الآية بتمامها “وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما” (النساء، 4/64).

شيخ أفندي – أما أنتم فقولوا ما شئتم أن تقولوا، وأما نحن فنؤمن باتخاذ أرواح الأولياء الكرام والشيوخ العظام[2] وُسَطاءَ بين الله وبين عباده، فنستعين[3] بهم ونستمد من روحانيتهم.

بايندر – فأين أنتم من قول الله تعالى: “إياك نعبد وإياك نستعين”؟ أي لا استعانةَ إلا بك. ونحن نقرؤها كل يوم مرات كثيرة.

وقال الله تعالى: “ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد” (ق، 50/16).

فإذا كان الله تعالى أقربَ إلينا من حبل الوريد، فأيُّ موضع بقي لهؤلاء الشيوخ العظام ليُقحموا فيه أنفسهم فيقفوا بين الله تعالى وبين عباده؟

شيخ أفندي – جاءتني طالبتان من كلية الإليهات تسألانني السؤالَ نفسَه، قالتا: إذا كان الله أقربَ إلينا من حبل الوريد، فما للشيوخ في الأمر؟ فقلت لهما: أتقرآن القرآن؟ قالتا: نعم، قلت: من يُقرؤكما؟ قالتا: معلم القرآن، فقلت لهما: أليس الله أقربَ إليكما من معلم القرآن؟ فلمَ احتجتما إلى غير الله لتتعلما القرآن؟ قالتا: نعم، أنت على حق.

بايندر – ما العلاقة بين اتخاذ الإنسان معلما ليتعلم القرآن وبين اتخاذه واسطة بين الله تعالى وعباده في الدعاء؟ أين التوسل في هذا؟ أوَ كل من كان معلما للقرآن لزم على زعمكم أن يكون واسطة بين الله تعالى وعباه؟ الحمد لله الذي وهب لي عقلا أفهم به ديني.


[1] الترمذي، الدعوات 119، حديث 3578 ثم قال: حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث أبي جعفر وهو الخَطْمي ؛ إبن ماجه، صلاة الحاجة 189، رقم الحديث 1385 ؛ مسند أحمد 4/138.

[2] المقصود بالشيوخ هنا شيوخ الطرق وليس شيوخ العلم.

[3] يعنون بالاستعانة والاستمداد طلبَ العون كما يَفهم هذا أيُ عارف بالعربية، فهم يستعينون بالأولياء الموتى ويتخذونهم وسطاء بينهم وبين الله تعالى. ولمعرفة هؤلاء لِيُنظر كتابُ روح الفرقان 2/82 حيث تمر هذه المقالة أبينَ وأوضح

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.