حبل الله
التدرج في تحريم الربا

التدرج في تحريم الربا

التدرج في تحريم الربا

هذا الموضوع لمعرفة التاريخ الذي تم  فيه تحريم الربا. وإلا ما الفائدة لنا اليوم من معرفة التدرج في تحريمه. ولأن الربا ما زال حراما. ولا يجوز لأي مسلم أن يتجاوز هذا الحرام لأي سبب من الأسباب. وقد أثم من تجاوز هذا الحرام. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا”.[1]

ويقول محمد عبد الله دراز إن الربا في القرآن الكريم تدرجت الآيات في تحريمه كما تدرجت في تحريم الخمر ويمكن ترتيب هذه التدرج كما يلي:

المرحلة الأولى:- ما جاء في سورة الروم وهي مكية نزلت قبل الهجرة ببضع سنين مقروناً بذم الربا ومدح الزكاة وذلك قبل فرض الزكاة كما في قوله تعالى: «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» ) الروم، 30/ 39 ( . وقد جاء في السور المكية أصول الواجبات والمحرمات بوجه إجمالي كما في هذه الآية.

المرحلة الثانية:- وهي في قوله تعالى في سورة النساء:  «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا. وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» ) النساء، 4/  160 –161(. أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه. وهذا تلميح بالتحريم لأنه جاء على سبيل الحكاية عن بني إسرائيل وأن الربا كان محرماً عليهم، فاحتالوا على أكله، فهو بذلك تمهيد ، وإيماء إلى إمكان تحريم الربا على المسلمين كما هو محرم على بني إسرائيل… وفيه إيماء آخر ، وهو أنه إذا حرم عليكم الربا فلا تفعلوا مثل فعلهم، فتلقوا من العذاب الأليم مثل ما لقوا لأن هذا السلوك ليس إلا سلوك الكافرين والعياذ بالله.

المرحلة الثالثة:- في سورة آل عمران حيث يقول تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ » ( آل عمران، 130 –132 ) . أي: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا في إسلامكم بعد إذ هداكم له، كما كنتم تأكلونه في جاهليتكم. وهذا مفيد لتحريم الربا- كما سبق بيانه – إلا أنه لم يكن فيه من التهديد والوعيد ما كان في آخر مراحل التحريم.

 المرحلة الأخيرة :- وفي هذه المرحلة جاءت الآيات الكريمة بالحكم الشرعي: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ» ( البقرة، 275 – 279 ). وهذه الآيات من آخر ما نزل من القرآن الكريم، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ» أن هذه آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم.[2] وقد أجاز الله تعالى فيها أخذ رؤوس الأموال بشرط أن يتوبوا.

ويستمر تحريمه إلى يوم القيامة، هذا تاريخ الربا عبر التاريخ، وكابوسه الثقيل على الأمم وموقف الشرائع السماوية منه ومحاربته لإنقاذ البشرية من ويلاته ولكنْ يأبى الذين استحوذ عليهم الشيطان واستولى عليهم الشحُّ إلا عتواً ونفوراً ليستمروا في التحكم بأموال الناس بغير حق.[3]

 


[1]  البخاري، كتاب البيوع 25.

[2]  رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم.

[3]  فقه وفتاوى البيوع : 152. وانظر في التدرج في تحريم الربا : فقه السنة : 3 /  156 والفائدة والربا الصفحات السابقة في الفصل . هذا وبعض العلماء لم يذكر هذا التدرج .

التعليقات

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.