حبل الله
ج. القرآن الكريم والفطرة

ج. القرآن الكريم والفطرة

        القرآن الكريم والفطرة

الفطرة؛ تعني مبادئ وقوانين الخلقة والتغيير والتطور، وهي التي تُكَوِّن البِنيةَ الأساسية للكائنات. أي أن السماوات والأرض والبشر والحيوان والنبات وغيرها من الأشياء تتكون وتعمل وفق تلك القوانين والمبادئ. أي: الفطرة. كما أنها المبدأ الأساسي في العلوم والتكنولوجيا والعلاقات الإجتماعية، ومخالفة الفطرة يفسد التوازن الإجتماعي . قال الله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » (الروم، 30/41)..
«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ » (الحج، 22/18).
وأما الدين فينظم العلاقة الإنسان بربه. كما ينظم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وعلاقته بالطبيعة لا سيما علاقته بالبيئة التي تعيش فيها. والمبادئ التي جاء بها الدين يطلق عليها كذلك الفطرة. قال الله تعالى:
«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (الروم، 30/30).
ونعرف الفطرة من آيات الله تعالى، فهي ليست محدودة بما أنزل الله تعالى من الكتب، بل تشمل الآيات المسطورة في الكتاب المنشورة في الكون.[1] قال الله تعالى: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (فصلت، 41/ 53).
والمعرفة التي نحصل عليها من آيات الآفاق والأنفس، نستحضرها في أذهاننا ونهيء أنفسنا للإستفادة منها. وهذه المعرفة تسمى «الذكر» وإستحضارها في الذهن يسمى أيضا «الذكر»[2] وتلك المعرفة في أكمل التناسق والانسجام مع كتاب الله تعالى. لذا كل من يقرأ القرآن الكريم يزداد ثقة وطمأنينة.
وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى التذكر. والتذكر هو تنشيط وتفعيل ما هو موجود في الذهن. وعندما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه «أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (الأنعام، 6/80). معناه؛ ألا تقارنوا ما قلته بما عندكم من المعرفة فتعرفوا أنكم مخطئون، فتعودوا إلى رشدكم. فهو دعوة لهم منه إلى محاسبة النفس.
والذكر كذلك اسم مشترك للكتب المنزلة من الله تعالى. قال الله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ  (الرعد، 13/28). وقال الله تعالى عن القرآن الكريم: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (الحجر، 15/9).
فالذي يقرأ القرآن الكريم بالتدبر يجد أن الذكر الموجود في القرآن مطابق مع الذكر الموجود عنده أي المعلومات الموجودة عنده. لذا قال الله تعالى: «الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد، 13/28).
وصحة معلومات الإنسان متوقفة مدى تطابقها مع الآيات القرآنية، كلما استوعب الإنسان الآيات القرآنية والكونية ازداد معلوماته ثقة وطمأنينة.
والكائنات غير الإنسان لا يخالف الفطرة. بل الإنسان هو الذي يخالف الفطرة ويفسد توازن البيئة؛ لأن الله خلقه وأعطى له العقل والارادة والقدرة يستطيع بها أن يفعل ما يشاء.
وما يؤدي الإنسان إلى مخالفة الفطرة هوالمنافع والأمال والرغبات. والإنسان ينزعج بمخالفته للفطرة وهذا في بداية الأمر، ثم يتعود ويأخذ طبعا جديدا فيبدأ يرتاح ويتذوق بفعل ما يخالف الفطرة. وأحيانا يظهر الانزعاج المختفي عنده، فهو يعلم أن تصرفاته يخالف الفطرة، فيعتريه الشبه ولكنه يتجنب عن المحاسبة النفسية. قال الله تعالى: « لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (التوبة، 9/110).
الآثام والأخطاء هي السلوك المخالفة للفطرة. والصواب هو مع وافق الفطرة إلا أنه يتطلب بذل الجهد في الاستمرار عليه. لذا يعدل الإنسان من الصواب إلى الخطأ مع علمه بذلك. قال الله تالى:
«فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا» (الشمس، 91/ 8-10).
والمخالف للفطرة ينزعج في البداية، ثم إما يترك المخالفة أو يستمر فيها. فهو ينزعج لأن الله تعالى يلهمه بأنه عاص. وهذا انذار؛ تقول له نفسه الملهمة أنت على الخطأ، فلهذا ينزعج حين يعصي.
والتقوى هو الصون من الوقوع في الخطأ. والسلوك الموافق للتقوى يريح الإنسان. وهو إلهام الله تعالى إياه بأن هذا الفعل موافق للفطرة.
عن وابصة بن معبد الأسدى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لوابصة :« جئت تسأل عن البر والإثم؟ ». قال قلت : نعم. قال : فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال :« استفت نفسك ، استفت قلبك يا وابصة – ثلاثا – البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس أوأفتوك ».[3]
ولا يقع في مثل هذا الخطأ إلا العاطفي الذي لا يستعمل عقله. قال الله تعالى: « … وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» (يونس، 10/100).
ومصدر العلم كذلك الفطرة. والعلماء المتخصصون في الرياضيات والتقنيات لا يصدرون القوانين، وإنما يحاولون ويبذلون الجهد لكشف ما في الآيات من القوانين، هذا هو الاتباع منهم للفطرة. كذلك من علماء الاجتماع وعلماء الاحصاء من يكشف القوانين بقراءته لتلك الآيات. ولكن بعضهم يحاول اعطاء المجتمع صورا خاصة حسب أهوائهم بعيدا عن الحقيقة، وهذا الموقف منهم يؤدي إلى التطبيقات المخالفة للفطرة،  ويظهر آثاره السيئة بعد حين، ويفسد التوازن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي . وبالتالي أن الضرر الذي نتج من مخالفة الفطرة يكون كبيرا ومستمرا.
والنتائج المعرفية التي وصل إليها العلماء يمكن استعمالها لإفساد البيئة والمجتمعات خلافًا للفطرة. كما نعيش اليوم من فساد بيئي واجتماعي جراء مخالفة الفطرة. وتعدى الحدود التي جاء بها القرآن الكريم هو الابتعاد عن الفطرة. قال الله تعالى:
«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (الروم، 30/41).

كل ما جاء به القرآن الكريم متناسب مع الفطرة تمام التناسب، فلا خلاف بينهما؛ لأن الإسلام هو دين الفطرة. فيستفاد من الفطرة في فهم القرآن، كما يستفاد من القرآن الكريم في معرفة الفطرة. ومظن الخلاف بين القرآن الكريم والفطرة هو عدم فهم القرآن الكريم ، وعدم اقامة الروابط والعلاقات بين القرآن الكريم والفطرة. والأمثلة على ذلك  كثيرة.


 

[1] أنظر:آل عمران، 3/58؛ الأعراف، 7/63؛ الحجر، 15/ 6، 9؛ النحل، 16/44؛ الأنبياء، 21/2، 50، 105؛ الفرقان، 25/18؛ يس، 36/1؛ ص، 38/8؛ القمر، 54/25.

[2] مفردات ألفاظ القرآن مادة: ذكر.

[3] سنن الدارمي، كتاب البيوع، 2.

 

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.